حينما تلفظ عبارة "الحمامات التركية" وأنت في منطقة السلطان أحمد الشهيرة في الجزء القديم من البلدة القديمة في إسطنبول، فأنت هنا لا تتحدث عن مجرد مكان للنظافة الشخصية، بقدر ما تتطرق لمفهوم ثقافي اجتماعي يمزج ثقافات متعددة من أبرزها الرومانية والعثمانية. وتشير المصادر التاريخية التي رصدتها "الوطن" في بعض المكتبات العامة في إسطنبول إلى أن التاريخ الثقافي للحمامات يمتد إلى ما قبل الرومان، حيث إن الحفريات التي وجدت بمدينة بومباي في الفترة (800 قبل الميلاد -74 م) أظهرت الحمامات التي كانت تستخدم من الرومان التي استخدمت في حينها للترفيه، وتكون الحمام الروماني من غرفة بخار وحمامات مياه ساخنة فقط، وكشفت تلك المصادر وجود فوارق طبقية في الإمبراطورية الرومانية، فكان يتم فصل مدخل العبيد عن مدخل النبلاء في ذلك الوقت.واستمر البيزنطيون على نهج الرومان نفسه، وأنعشوا الحمامات، ووصل تأثيرهم إلى الامبراطورية العثمانية، التي أوجدت في كل حي من أحياء إسطنبول حماما يضم مياها ساخنة وأخرى باردة، ونوافير وغرفا رخامية، وخصصت أياما من كل أسبوع للنساء. ولعبت الحمامات التركية دورا في صياغة المنظومة الثقافية والاجتماعية حتى اليوم، فأصبحت جزءا أساسيا من التقليد والمفهوم العام واللقاءات الاجتماعية. ويعد حمام "السلطانة هيام" في منطقة آيا صوفيا من أشهر الحمامات التاريخية، التي اتخذتها زوجة السلطان سليمان القانوني، وبناه كبير مهندسي الدولة العثمانية المعماري الشهير سنان في القرن ال16 "1556-1557" بناء على طلب زوجة السلطان "روكسيلانا"، في موقع حمامات "زيوكسيبوس" القديمة في المركز التاريخي لمدينة إسطنبول بين مسجد آيا صوفيا والمسجد الأزرق. ول يمكن للأفواج السياحية العربية والأجنبية إذا ما وطئت أقدامها البلدة القديمة في القسم الأوروبي من إسطنبول، إلا أن تزور هذا الحمام التاريخي، الذي يعطيك انطباعا عن امتزاج الثقافات المتعددة. وتم تشغيل الحمام حتى عام 1910 من القرن الماضي، وبعدها أغلق لسنوات عدة حيث كان يستخدم لوقت لاحق في إيواء المحكوم عليهم، وفي وقت سابق استخدم لتخزين الأوراق والنفط. ويشير القائمون على الحمام في حديثهم ل"الوطن" إلى أنه أحد أجمل المعالم الأثرية في إسطنبول، ورمم للمرة الأولى بين عامي "1957-1958"، وظل يستخدم سوقا للسجاد حتى عام 2007، ورمم للمرة الثانية عام 2008، واستغرق ترميمه ثلاث سنوات. وعلى الرغم من بناء الحمام في الفترة العثمانية على الطراز الكلاسيكي، فقد كان الابتكار الهندسي المعماري التركي ظاهرا فيه، وتمثل في إنشاء حمام الرجال والنساء على المحور نفسه كصورة طبق الأصل عن بعضهما البعض. ثلاثة أقسام رئيسة لهذا الحمام التاريخي، "القسم البارد" ويشمل منطقة الاستقبال، وغرف التبديل، وتصفيف الشعر وقاعات التدليك ومنطقة الاسترخاء، مع منظر جمالي لقبة الحمام الضخمة التي ترمز لتاريخ السلاطين العثمانيين.أما القسم الساخن، فيوجد به منطقة رخامة كبيرة تقع تحت قبة الحمام ويحيط بها تجاويف مفتوحة وتجاويف خاصة، وتصل درجة حرارة الغرفة إلى ما بين 42-47 درجة مئوية، بينما التجاويف الخاصة تصل درجة حرارتها إلى 60 درجة مئوية. أما القسم الثالث فهو الدافئ الذي يشمل عملية فرك الجلد، وتدليك الجسم بالكامل كما يشاهد فيه الزائر نظام التدفئة القديم المستخدم بالحمام وكيفية تسخين الحمام وتوصيله بالمواسير بطريقة توحي بالنظام الذي ما زال مستخدما منذ القدم.