بعد 40 عاما، رافق خلالها 4 ملوك للسعودية، ترجل عميد ديبلوماسيي العالم، أكبر الساسة في العالم وأكثرهم حنكة وحكمة، ومهندس العلاقات الخارجية السعودية، ورجل المهمات الصعبة من مهمته الوطنية، بعد أن وضع أسس مدرسة ديبلوماسية فريدة، وترك ذكريات ومواقف لا تنسى، إذ أظهر الأمير سعود الفيصل منذ توليه دفة الخارجية السعودية دراية وخبرة منقطعة النظير في جميع الملفات السياسية التي أوكلت إليه على كل الأصعدة، والقضايا الخليجية والعربية والدولية، وخاض معارك ديبلوماسية غاية في الشراسة وانتصر فيها رافعا لواء الحق، حتى أضحت كلماته ومواقفه الديبلوماسية الحازمة يتم تدريسها في كليات العلوم السياسية حول العالم، إضافة إلى أن الفيصل يعدّ أول ديبلوماسي عربي يفضح البرنامج النووي لإسرائيل أمام الأممالمتحدة عام 1977، كما تحدى الإرادة الأميركية في حرب العراق وأعلنها بكل صراحة "نرفض الدخول في حرب ضد العراق". ومنذ تعيينه في منصبه اختار الفيصل خطا ديبلوماسيا فريدا ومميزا، يقوم على الصراحة وتجسيد حكمة قيادة دولته، واضعا مصالحها ومصالح أمته العربية والإسلامية فوق كل اعتبار، ويعود نجاح الأمير سعود الفيصل في عمله طوال العقود الأربعة الماضية، إضافة إلى خبرته السياسية واطلاعه الواسع على أحوال المنطقة، إلى الذكاء الحاد وسرعة البديهة، وتفانيه في عمله وكثرة اطلاعه وقراءته. كما يتقن الفيصل إضافة إلى اللغة العربية، ست لغات أخرى هي: الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية والعبرية كذلك. ولد الأمير سعود الفيصل في الطائف عام 1358ه، الموافق 1940م، وهو ابن الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، حاصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد في جامعة برنستون بولاية نيوجيرسي في الولاياتالمتحدة عام 1964. وقبل توليه وزارة الخارجية عام 1975، التحق سمو الأمير سعود بوزارة البترول والثروة المعدنية، مستشارا اقتصاديا، وعضوا في لجنة التنسيق العليا، ثم انتقل بعدها إلى المؤسسة العامة للبترول، ليترأس مكتب العلاقات البترولية الذي يشرف على العلاقة بين الوزارة وشركة "بترومين"، وذلك عام 1966، ليقضي فيه أربع سنوات، قبل تعيينه نائبا لمحافظ "بترومين" لشؤون التخطيط عام 1970. وبعد عام من توليه منصب نائب محافظ "بترومين"، تم تعيين سموه وكيلا لوزارة البترول والثروة المعدنية في 21/ 4 /1391 الموافق 15/ 6/ 1971، ومكث في هذا المنصب الرفيع قرابة أربع سنوات، حتى صدر مرسوم ملكي بتعيينه وزيرا للخارجية في 8/ 10/ 1395 ه، الموافق 13/ 10/ 1975م. القضية الفلسطينية منذ تولي الأمير سعود الفيصل وزارة الخارجية توجهت إلى دعم القضايا العربية والإسلامية في شتى المحافل الدولية، خصوصا القضية الفلسطينية التي تعد أم القضايا العربية والإسلامية التي أولاها رعاية واهتماما خاصا، جسدتها تصريحاته وكلماته المعبرة عن مدى الاهتمام بقضية الشعب الفلسطيني الحالم بالحرية والاستقلال. إذ عبر الفيصل بوضوح تام عن موقف المملكة العربية السعودية الداعم للقضية الفلسطينية، وكان يردد دائما أن "المملكة نذرت نفسها لخدمة قضية فلسطين، وأن المملكة تعدّ القضية الفلسطينية قضيتها الأولى". كما عمل الفيصل على تقديم الدعم السياسي والمادي سواء عن طريق طرح مبادرات التسوية، أو القيام بجولات مكوكية في كل دول العالم للحصول على دعم دولي للقضايا الفلسطينية المشروعة، ومن هذه المبادرات، مشروع الملك فهد للسلام الذي قدمته المملكة في مؤتمر القمة العربي في مدينة فاس المغربية عام 1982، وهو محور مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد عام 1991 الذي أكد على عدد من المبادئ الأساسية التي تحقق طموحات الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 ومدينة القدس، وضمان حرية ممارسة العبادات والشعائر في الأماكن المقدسة، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وضمان حق عودة اللاجئين إلى ديارهم. كما أدت مواقف الأمير سعود الداعمة للقضية الفلسطينية إلى تغيير كبير في دوائر صنع القرار في الغرب وأميركا، ما أسهم في تغيير نهج العدو الإسرائيلي في مرات عدة، وكانت لكلمته أمام الأممالمتحدة، دور كبير في إنهاء الدولة الإسرائيلية لعدوانها الغاشم على قطاع غزة ، وكانت آخر مواقف الأمير الأخيرة موقفه من العدوان الإسرائيلي على غزة في عملية "الجرف الصامد" في شهر أغسطس 2014، إذ قال عنها " لقد تابع العالم أجمع بشاعة ووحشية جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو يستخدم أعتى أنواع السلاح لقتل الأبرياء المدنيين داخل بيوتهم وهدم الأسقف على رؤوسهم، إذ رأى العالم أطفالا ورضعا يقتلون، وهم في أحضان أمهاتهم، ورأى أمهات يقتلن وفي أحشائهن أجنة أحياء. إن ما شاهده العالم في الحرب على غزة من صور مأساوية ووقائع غير مسبوقة من الوحشية والدمار الشامل يتجاوز كل الحدود الإنسانية".