لا يمكن تذويب الإساءة للغير تحت أي مسمى كان فالعقل والذوق والدين والعرف ترفض ذلك قطعا، ولنا في رسول الله قدوة حسنة، فقد قال في مواضع عدة «ليس هدية أفضل من كلمة حكمة تهديها لأخيك، يزيده الله بها هدى، أو يرده بها عن ردى». علينا الاقتداء بالنبي في تعامله مع الآخر غير المسلم فكيف بالمسلم نفسه مهما كان توجهه ورأيه ومنطلقه، ما دام يؤمن بالشهادتين حرم ماله وعرضه.. ليس من حق أحد إهانة رموز الآخر المسلم، فالاحترام جزء من ثقافة السلم الأهلي والتعايش السلمي، منها نفهم معنى فلسفة احترام قداسة الرمز، وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم في الآية المباركة «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون» والمقصود هنا عدم التعدي على أصنام قريش فتكون النتيجة عكسية. اليوم أصبح الخطر من بعض من يسمون أنفسهم بالحداثيين وأنصار ثقافة التغير والتنويريين وتحت مسميات طويلة عريضة، لا تعرف الغاية منها ولا المرجعية التي ينطلقون منها سوى النقد للمنظومة الإسلامية بغرض غربلة التراث وتجديد الخطاب الديني كما يعتقدون، وهؤلاء أغلبهم مع الأسف تقليديون بامتياز ولكن كل هذا نكاية في الرموز الدينية من خلال شُبه طرحت من هنا وهناك ولم يقتنع بها، احتج بالعقل وقدم الاعتراض، ومن يتابع أطروحاتهم وأدبياتهم يجد أغلب دوافعهم ذاتية شخصية وليست فكرية، كما يتجه جزء منهم إلى رفض التخصصية، ويريدون الحوار في كل العلوم والتوجهات بدليل أن العقل دال على معرفة كل شيء. حقيقة مهمة لابد من الالتفات إليها ودراستها بعمق، وهي التأكيد على قصور بعض خطبائنا في هذا الاتجاه الحديث، والمطلوب الآن القراءة المستفيضة حول ماهية هذه التيارات الجارفة للمجتمع تحت الإصلاح والتغيير والرد على شبهاتهم وتحذيرهم وذكر علامات تفكيرهم وكتاباتهم.. المشكلة تكمن عند هؤلاء في تملصهم من الشبهات، فيطرحونها ثم ينسحبون ويبررون ذلك بعدم فهمهم لك أو التبرير تحت معنى آخر، وبالتالي نجد لكل حداثي رؤية تختلف تماما في المضمون عن الآخر ما يسبب لك تشتتا وارتباكا في الصورة، والمضحك انفراد كل شخص باعتباره صاحب مدرسة ومشروع، فيصعب الحوار والنقاش والمتابعة لاختلاف المناهج إن كانت هناك مناهج فعلا. والمثقف المحايد يرى بكل اعتدال أن الحداثيين لديهم عقدة من المؤسسات الدينية وشغف نحو تصيد الأخطاء، ولا يمكن اعتبار ذلك حقا مشروعا للفرد في المجتمع الإسلامي لأن نياتهم غالبا غير صادقة. ثقافة الحداثة ولدت وترعرعت في بيئة أوروبية وفق نظم وإرهاصات اقتصادية واجتماعية وسياسية ودينية تجاه طغيان وتمرد الكنيسة على عقول الناس والإسلام عكس ذلك تماما. الرموز والمقدسات والكيان الديني من مذاهب وتيارات إسلامية ليست معصومة من الخطأ كما لا يحق نقدها إلا من مختصين. إسلامنا قوي وسيبقى قويا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. قال تعالى «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا».