نشر "مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية"، في 14 مارس الحالي، تحليلا استراتيجيا بقلم مدير دائرة الإحصاء بهيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين، عبدالناصر عوني فروانة، تحدث فيه عن معاناة سكان شرقي القدس، فقال منذ احتلال الشطر الشرقي للقدس عام 1967، فرضت سلطات الاحتلال على سكان القدس قيودا متعددة، وأعطتهم تصنيفا قانونيا شاذا يستهدف شطبهم من سجل الوجود وهم أحياء، فتعاملت معهم على أنهم مقيمون دائمون لديها، واعتبرت سجنهم والأحكام الصادرة بحقهم شأنا داخليا وأن قوانينها تنطبق عليهم مثلهم مثل السجناء اليهود. لكنها في الوقت ذاته لا تمنحهم نصف الحقوق التي تمنحها لغيرهم من السجناء اليهود. فلا هي اعترفت بانتمائهم للأراضي المحتلة عام 1967، ولا هي منحتهم مواطنة الدولة العبرية كبقية المواطنين الفلسطينيين في أراضي ال48. وتمتد آثار هذا الوضع القانوني المبهم والظالم لتشمل الأسرى المقدسيين في سجون الاحتلال الذين يعاملون كفلسطينيين في الزنازين أو حين يطالبون بحقوقهم، ويعاملون كمواطني دولة الاحتلال حين يكون هناك صفقات لتبادل الأسرى أو حقوق تُمنح للأسرى الفلسطينيين نتيجة إضرابهم عن الطعام وغيرها من الخطوات الاحتجاجية. وكبقية الأسرى الفلسطينيين يعاني الأسرى المقدسيون من قسوة التعذيب والعزل الانفرادي، وسوء ظروف الاعتقال المعيشية والصحية ووحشية تعامل جنود الاحتلال معهم، والسعي الدائم لعزلهم عن الآخرين والاستفراد بهم. إضافة إلى الإهمال الطبي المتعمد الذي استشهد بسببه ثمانية أسرى من أصل 17 شهيدا من الأسرى المقدسيين سقطوا في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 وحتى الآن، منهم قاسم أبو عكر، واسحق مراغة، وعمر القاسم، ومصطفى العكاوي، محمد أبو هدوان، وغيرهم. ولا تقتصر معاناة الأسرى المقدسيين على تدهور الحالة الصحية لبعضهم أو عدم تلقيهم العناية الكافية، فمعتقل "المسكوبية" في القدس الذي يُحقق فيه مع الأسرى المقدسيين يُعد من أسوأ المعتقلات على الإطلاق في دولة الاحتلال، حتى أن الفلسطينيين يطلقون عليه اسم "معتقل الموت". بينما لا يزال المئات من المقدسيين يقبعون في سجون الاحتلال، بينهم نساء وشيوخ وأطفال ونواب وأسرى تحرروا في صفقة "شاليط" وأعيد اعتقالهم. ومنهم من أمضوا في غياهب السجون 20 عاما وما يزيد. هذا إضافة إلى أن أهالي الأسرى يعانون من المنع تحت ما يُسمى "المنع الأمني" ومن المضايقات والتحرشات والإجراءات والاعتقالات الإسرائيلية المستمرة لهم أثناء توجههم للزيارة. وللأطفال المقدسيين حصتهم من المعاناة أيضا، فدولة الاحتلال تحاكم الأطفال وتحتجزهم ضمن ظروف سيئة جدّاً، وهم يتلقون المعاملة نفسها التي يتلقاها الأسرى الفلسطينيون الآخرون. ومنذ بداية الانتفاضة ودولة الاحتلال تنتهج سياسة منظمة تجاه التعامل مع الأطفال الأسرى مثل إجراءات المحاكمة الطويلة والمعقدة، والتعذيب أثناء التحقيق، وعدم وجود رعاية صحية، والحرمان من حقهم في التعليم. ولقد صعّّدت سلطات الاحتلال استهدافها للأطفال الفلسطينيين عامة، والأطفال المقدسيين خاصة منذ اختفاء المستوطنين الثلاثة في الخليل في 12 يونيو الماضي، واعتقلت منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم أكثر من 700 طفل فلسطيني من القدسالمحتلة، دون مراعاة لصغر سنهم واحتياجاتهم الخاصة، فعذبتهم جميعا واقترفت بحقهم انتهاكات جسيمة واتخذت إجراءات انتقامية وعقابية ولا إنسانية عديدة ضدهم. وأصدرت محاكمها المختلفة أحكاما مختلفة بحق غالبيتهم العظمى مصحوبة بغرامات مالية ولعل الطفل الأسير خالد الشيخ خير شاهد على ذلك. إضافة إلى إبعاد العشرات منهم عن أماكن سكناهم وتحويل عشرات العائلات المقدسية إلى سجانين على أطفالهم بعد فرض الحبس المنزلي على أبنائهم القُصَّر. وأمام هذا الواقع المرير الذي يعيشه مواطنو وأسرى القدس، فإنه يتوجب على المعنيين كافة من في فلسطين وخارجها التحرك بكافة السُبل لتحسين أوضاعهم وتثبيت حقوقهم وتعزيز صمودهم في وجه تعنت الاحتلال وظلمه، والعمل على تحرير أسراهم من سجون الاحتلال، وحماية أبنائهم وأطفالهم ونسائهم من بطش الاحتلال واعتقالاته اليومية. فلا معنى للحديث عن التمسك بالقدس وحرية الأرض والمقدسات دون تحرير الإنسان وحماية واقعه ومستقبله من استهداف المحتل الإسرائيلي. فالقدس بمقدساتها وتراثها وتاريخها وأروقتها وحجارتها وأهلها .. في خطر!