يرى معظم المراقبين أن خطة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتقليص عدد القوات الأمريكية الموجودة في العراق إلى 50 ألف جندي بنهاية شهر أغسطس المنصرم هي مسار عمل يتسم بالحكمة. لكن في الحقيقة أن مهمة القوات الأمريكية التي ستبقى في العراق ستصبح "للاستشارة والمساعدة" لا تغيِّر من الأمر كثيرا، لأن هذه القوات ستحتفظ بقوة نارية هائلة تؤهلها لتكون مؤثرة وفعالة على الساحة العراقية إلى حد كبير. وقد نشرت مؤسسة "بروكينجز" الأمريكية للأبحاث في بداية شهر أغسطس الماضي تقريرا حول الانسحاب الأمريكي من العراق أكدت فيه أن القوات الأمريكية انسحبت بالفعل من المدن العراقية أواخر شهر يونيو الماضي، وقد تمت الاستعاضة عنها في معظم المهمات بقوات أمن عراقية قوامها حوالي 700 ألف جندي. وبشكل عام، ورغم أن شهر يوليو كان الأكثر الدموية إلى حد ما من الأشهر التي سبقته هذا العام إلا أن الوضع الأمني العام في العراق مستمر في التحسن ببطء. لكن الحرب لم تنته بعد، ولا يمكن اعتبار العراق أكثر من حالة نجاح مؤقت حاليا. صحيح أن العراقيين حققوا تقدما عسكريا وسياسيا ملحوظا، لكنهم لم يعبروا إلى بر الأمان بعد. هناك خلافات إقليمية هامة لم يتم حلها خاصة بين السكان العرب والتركمان والأكراد في شمال العراق. وهناك أحداث عنف كثيرة ووجود قوي للحركات المتطرفة. العراقيون السُنَّة ليسوا ممثلين بشكل جيِّد في الحكومة بعد وليست لديهم حصة عادلة في الاقتصاد العراقي. وضع الاقتصاد والبنية التحتية الأساسية مثل شبكة الكهرباء لا يزال متواضعا. وبالطبع هناك حكومة ضعيفة موجودة في الحُكم حاليا. فيما يجهد العراقيون لتشكيل حكومة جديدة. الدور الأمريكي في التهدئة وبناء الثقة لا يزال هاما وربما يبقى هكذا. ربما يستطيع الجنود الأمريكيون مثلا أن يصطحبوا الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية في دوريات مشتركة في المناطق الشمالية المتنازع عليها، وأن يساعدوا في الإشراف على حواجز التفتيش في تلك المناطق. لكن التخطيط للانسحاب الكامل في العام المقبل تم الاتفاق عليه بين الحكومة العراقية وإدارة الرئيس جورج بوش. وهو موثق في تفاهم ثنائي رسمي بين البلدين؛ ولا يمكن تجاهله وعدم تطبيقه. وبالإمكان طبعا إعادة مناقشته وتعديله بشكل رسمي شريطة أن تتولى الحكومة العراقية الجديدة هذا الأمر بعد تشكيلها وتوليها لمهامها. لذلك علينا أن ننتظر ريثما يجد العراقيون طريقة لإنهاء الجمود الذي تشهده الساحة السياسية العراقية في الوقت الحاضر حتى لو اضطر الأمر إلى تدخل أمريكي على أعلى مستوى خلال الأشهر المقبلة.