لا جديد.. هذا الموت يكرر نفسه ورغم أننا شبعنا موتا بفقد أحبتنا وأصدقائنا وهؤلاء الذين يعزون على قلوبنا، وقبلنا به كحقيقة أو مصير حتمي، إلا أنه يصعب علينا التصالح معه كفكرة، ونأبى في كل مرة يزورنا فيها شبحه المظلم. أن نرفع أيدينا ونقول بكل بساطة هذه هي سنة الحياة."إنا لله وإنا إليه راجعون"، ونمضي في حياتنا دون أن نذرف دمعة فائرة من وجدان محترق.. لماذا؟ لأن الموت هو أبلغ جرح يُصاب به الإنسان ويضرب في أعماق روحه، لأنه أكبر فاجعة يمنى بها القلب، وأقوى صدمة من صدمات الحياة التي يرافقها وعي حاد وجارح، وعي كعود الثقاب يشعل في الروح حرائق خوف وقلق مستمرة. يذكر برحيلنا وزوالنا وفنائنا. والأدهى من ذلك والأمر هو في بقائنا وقد رحل عنا أحبتنا وأصدقاؤنا، وقد تركوا لنا نصيبا وافرا من الذكريات. لقد فُجعنا بوفاة كثيرين ممن نحبهم، وفي وفاة الملك عبدالله فاجعة حقيقية ألمّت بشعبه، وفطرت قلوبهم، ذلك الشيخ الوضّاء الجبين الذي يتهلل وجهه بالنور، ويتدفق قلبه بعاطفة الحب والرحمة. تجري على لسانه كلمات الأب الحاني الذي يخفض جناحيه على أبناء وبنات الوطن الذين أحبّهم فأحبّوه لقد كان لهذا الرجل مواقف عظيمة ومشرفة. على جميع الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسة، إذ كان داعيا لقيم الحب والسلام، صارما ضد التطرف والفساد، محاربا للإرهاب، أنشأ أول هيئة لمكافحة الفساد الإداري والمالي في المملكة "نزاهة"، وكان يعنى بالعلم والتعليم. فقد أنشأ عشرات الجامعات، وأرسل البعثات إلى الخارج، وقام بإنشاء مدن صناعية عملاقة، كما حدثت في عهده الزاهر أكبر توسعة في التاريخ للحرمين الشريفين. لقد استطاع هذا الرجل الملقب بملك "الإنسانية" بذكاء عقله وقلبه، برجاحة فكره ونقاء سريرته، أن يكون في وجدان الشعب "أبا" للجميع، للكبار والصغار. "أبا" نبكيه في قلوبنا بالدماء وبالدموع، "أبا" يرحل لتبقى صورته في قلوبنا مشرقة بهية وضاءة. لتبقى ذكراه صرحا مشيدا بالنور. هكذا يرحل الأحبة. ولكن يظل حس وجودهم في القلب عامرا، ونبقى أوفياء لذكراهم بجزيل الدعاء.