من منطلق حب التراث وبنائه من قبل الأجيال السابقة، واعتنائه وحفظه من قبل الأجيال الحالية، فإن التراث يعد ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد، وكذلك المعارف الشعبية والثقافة المادية والفنون التشكيلية والموسيقية، ويعدّ التراث في هذا الزمان من أهم عناصر التجربة السياحية في المملكة، إذ تتمتع مملكتنا الحبيبة بتنوع فريد من نوعه في جميع عناصر التراث بين مناطقها، ويتمثل كل نوع من هذا التراث العريق الحياة الاجتماعية بمختلف مجالاتها واختلافها في كل منطقة، إذ إنها تزخر بعدد كبير من الأبنية والديكورات والفنون التشكيلية والرسومات الجمالية، التي تعكس مدى الدور التراثي المعماري الفريد للبلاد بمحتوى أشكالها وطرق بنائها من منطقة لأخرى. فلكل منطقة امتياز في العمل والبناء والتصميم، التي تبدع بها العقول المحلية بفضل الله ثم ما شاهدوه وتعلموه من أجيالهم السابقة. وكما نعلم بأن منطقتنا العزيزة بقيادة أميرها وأهلها وشبابها تستقبل وترحب خلال الأيام القادمة بضيوف ومحبي وكل من له علاقة بالتراث المعماري الأصيل في مدينتي أبها وجميع محافظاتها بالورد والعسل والزهور، وقبل ذلك بفتح القلوب الصافية والتراحيب الوافية، بعد أن نجحت الملتقيات الثلاثة السابقة بنجاح أمير السياحة سلطان بن سلمان، الذي بلغ عدد استقطاب لآخر ملتقى بالمدينة المنورة على ما يزيد عن 20 ألفا زائر، وهذا ما يؤكد حرص شرائح المجتمع كافة لمعرفة ما خلفه لهم الأجداد؛ كي يكون عبرة لهم من الماضي ونهجا يستقي منه الأبناء الدروس، ليعبروا بها من الحاضر إلى المستقبل، ويتبادلوا التأثر بالتأثير مع وجود الثقافات والحضارات المحيطة بهم، والمؤثرة عليهم. ولا يخفى على القارئ الكريم أن التراث يعلم ويدرس حاليا في كثير من الجامعات والمعاهد الأجنبية والعربية، مع الاهتمام به وإعطائه من الأولويات الملحة في تركيبة المجتمع وثقافته. فلذلك يتوجب علينا كي نعتني بهذا التراث أن نعبر عنه بوسائل نجعل منها الشوق والحنين والعشق للماضي دون تجاهل الحاضر العابر للمستقبل، بعمل تلك الملتقيات والمحاضرات والتذوق والاستمتاع به في عمل الرحلات والزيارات لعدد من الوجهات المحلية من قبل إمارات المناطق وجامعاتها، وكذلك مجالس شبابها التي تخص بالذات شباب المنطقة، وعمل اللقاءات التي تعرف بالتراث القديم، وعمل ما يمكن للحفاظ عليه بالوسائل الحديثة المبتكرة. نتمنى لمنطقتنا بجهود إمارتها والجهات الحكومية المشاركة والجهات الأهلية المتعاونة كافة، نجاح ملتقى التراث العمراني الوطني الرابع بمدينتنا أبها، وألا يتجاهلوا شبابها وشيابها، وكل من له علاقة بالتراث، كي يصبح التراث في عروقهم تراثا سلوكيا يمثل الهواء الذي يبث الحياة في الشجرة عندما يلتصق بها التصاق السلوك بالإنسانية، وكما أنها تترك بحركته حينما يدغدغها نسيمه العليل فلا حضارة دون تراث لأنها ستصير حضارة طفيلية ترتوي من تراث الآخر دون اعتبار تراثها بشيء.