نشر مركز الأبحاث البريطاني "تشاتهام هاوس" في 7 أكتوبر الحالي، بحثاً عن محاولات إنقاذ بعض اللغات الشرق أوسطية القديمة من الاندثار، تناول آراء بعض اللغويين والباحثين أمثال مديرة أبحاث الأمن الدولي بمركز "تشاتهام هاوس"، "باتريشيا لويس"، التي أكدت على أن اللغة تُعد من أكثر القدرات العالمية للإنسان، نظراً لدورها في التواصل ونقل المعلومات والخبرات عبر الأجيال. إلا أن ما يقرب من نصف اللغات المحكية - والبالغ عددها نحو 7000 لغة - ستندثر مع نهاية القرن الحالي، بحسب أحدث التوقعات. وتقول "لويس": "لا يوجد سبب واحد لانقراض اللغة، إلا أن بعض الأسباب الشائعة تدور حول هيمنة بعض اللغات مثل العربية والفرنسية والإنجليزية، والوصمات الاجتماعية التي تلحق بلغات الأقليات، وتعارضها مع الطرق التقليدية للحياة". يقول اللغويون: "إن إنقاذ اللغات من الخطر يصب في مصلحة الجنس البشرى". وتقول مديرة برنامج توثيق اللغات المهددة بالانقراض في جامعة(SOAS) للدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، "ماندانا سيفيدنيبر": "إن فقدان لغة يُمكن أن يعني فقدان ثقافة كاملة". مضيفة أنه قد تكون هناك علاجات لأمراض قد لا يعلم بها أحد بسبب وفاة آخر متكلم بلغة قديمة، خاصة في عدم وجود من يفهم النصوص التي تركوها وراءهم. وعندما تموت لغة فإننا لن نتمكن أبداً من معرفة ماذا كان يعرف هؤلاء الناس". ويقول اللغويون: "إن العراق وسورية قد زادا من الضغوط على اللغات المهددة بالانقراض". ويضيف مدير مشروع اللغات المهددة بالانقراض، "لايل كامبل": "تُعرف اللغات المهددة بالانقراض بأن معظم ناطقيها من أقليات الشرق الأوسط، لكنهم اليوم إما يقتلون أو يتعرضون للقمع. وتواجه بعض اللغات الشرقية خطر الانقراض خلال ال60 سنة المقبلة". وبحسب "لايل كامبل"، فإن اللغة الآرامية الحديثة التي يتحدث بها سكان الموصل ومنطقة سهل نينوى في العراق هي اللغة الأكثر عُرضة للانقراض في الشرق الأوسط حالياً. إذ إن نحو 2000 شخص من الناطقين بهذه اللغة يتعرضون لمعاناة كبيرة على أيدي عناصر تنظيم داعش. تعود جذور هذه اللغة إلى الآرامية، التي يقول بعض الخبراء إنها اللغة التي تحدث بها السيد المسيح وحُكام المنطقة. لا يعني وجود عدد قليل من السكان الناطقين بلغة ما أن هذه اللغة على وشك الانقراض. وتصنِّف منظمة "كامبل" عددا كبيرا من اللغات المهددة بالانقراض إلى أربع مجموعات فرعية: في خطر، ومهددة، ومعرضة لخطر شديد و"حيوية غير معروفة". بالإضافة إلى عدد من المتحدثين، يأخذ الباحثون بعين الاعتبار ما إذا كان عدد السكان آخذ في الارتفاع أو الانخفاض، وهل يتفاعل جيل الشباب مع اللغة الأم. يعترف "كامبل" أن هذا لا يُعتبر علماً دقيقاً حتى الآن، نظراً لقلة البيانات المتوفرة "غالباً ما نعتمد التخمين، ولكن تلك المهددة بالانقراض فعلاً تبرز أمامك". تقول "سيفيدنيبر": "اكتسحت اللغة العربية المنطقة على مر السنين وطغت على اللغات الأصغر". وتبدو مهمة الحفاظ على ما تبقى شاقة. إذ تقول سيفيدنيبر: "نحن نخوض معركة ضد الزمن". ويتفق زملاء "سيفيدنيبر" معها. حيث يقول "برونو هيرين"، لغوي من المعهد الوطني للغات الحضارات الشرقية في باريس: "لديك لغات كبرى في الشرق الأوسط: العربية، والتركية والكردية. ليس أكثر من ذلك". ويعمل "هيرين" على توثيق لغة "الدوماري" المهددة بالانقراض في لبنان، وذلك من خلال منحة من القسم الذي تعمل به "سيفيدنيبر". يوصف الناس الذين يتحدثون لغة الدوماري، المعروفة باسم "دوم"، بأنهم "غجر الشرق الأوسط". وبحسب هيرين "هناك وصمة عار كبيرة علقت بهم لمدة طويلة. لذلك يحاولون الحفاظ على اللغة بشكل خفي". مشيراً إلى أنه لا توجد علاقة عرقية أو لغوية مع غجر أوروبا؛ إلا أن جهود مجتمعات الدوم غير المرئية، تجعل من المستحيل معرفة عدد المتحدثين بهذه اللغة فعلياً. يقدر "هيرين" العدد بالآلاف وليس بالمئات. اليوم، يوجد الدوم في غرب سورية ولبنان وجنوب تركيا. ومنذ بداية الحرب في سورية، كانوا ضحايا العنف من مختلف الفصائل، كما يقول هيرين: "ينظر إليهم على أنهم غير مؤمنين من قِبل بعض المتمردين. ولا يتم اعتبارهم مسلمين، رغم أنهم يُعرِّفون أنفسهم بكونهم مسلمين سُنة". وهذا التمييز دفع الدوم إلى الهجرة إلى لبنانوتركيا. يُهدد تحول الأقليات إلى لاجئين لغتهم، كما تقول سيفيدنيبر. ذلك أن الانفصال عن وطنهم يعطل تقاليدهم، وغالباً ما يدفع الأجيال الشابة للاهتمام أكثر بلغة البلد التي يعيشون فيها. هذا يبدو بالتأكيد الحال مع الدومارى. ويقول هرين: "يفضل شباب الدوم استخدام العربية، علماً بأن صغار المتحدثين بالدوماري يبلغون من العمر 30 عاماً". ومن المتوقع أن تنقرض هذه اللغة خلال 60 عاماً القادمة. يستعد "هيرين" للقيام برحلة إلى لبنان في أوائل 2015، حيث سيتشاور مع عدد من الناطقين بالدوماري. يأمل في التوصل إلى وسيلة لتدوين اللغة في الكتابة، والتي قد تساعد على وضع أساس لازدهار اللغة مجدداً. وعنهم يقول هيرين: "قد يفضلون استخدام الحروف العربية عوضاً عن الحروف اللاتينية. وهو الحل الأفضل لأنهم سيكونون قادرين على محو أميتهم بالعربية. ويأمل أيضاً على تشجيع الأجيال الشابة على تعلُّم اللغة وإنتاج كتيب نحوي وقاموس وسائط متعددة". ولمواجهة إحصائية سوداوية تتوقع اندثار نحو 3.500 لغة حول العالم، تصر "سيفيدنيبر" على أهمية جهود الحفاظ على اللغات الميتة، حتى لو لم يتم النطق بها مجدداً. وتقول: "إن الطريقة التي نتكلم بها تحدد شكل التفكير... عندما تموت لغة نفقد حكمة مجتمع بأكمله.