القصف الأميركي لأربيل في كردستان ليس باللعبة الذكية من أميركا، ولم تعد تنطلي على الجميع كما كان في السابق، خصوصاً بعد تطور وسائل التواصل الاجتماعي مما سهل الوصول للحقيقة المجردة دون انتظار الإعلام التقليدي ليملي على الجمهور تحليله للأحداث من وجهة نظره وبحسب المصالح العامة والخاصة. فالقصف الأميركي يحقق ثلاثة أهداف، أحدها إقناع المجتمع الدولي بأن أميركا ضد داعش أو أنها ليست من صناعتها، والهدف الآخر وقف تمدد داعش وعدم الوصول لمكاسب جديدة، ومنها الوصول لبغداد أو دمشق، وكذلك حماية مصالحها في كردستان، حيث توجد لها مقرات لشركات كبيرة في المنطقة. هذه الأهداف تصب في مصلحة كبرى وهي المحافظة على وجود صراع دائم، ومن ثم تقسيم المنطقة إلى دويلات، وقد تكون هذه خارطة الطريق المتفق عليها مع بعض دول المنطقة ويبقى إقناع أو إجبار البقية على قبول هذا التقسيم تدريجياً ثم تعسفياً. هذا المخطط يراد له أن ينفذ بمرحلة تمتد لعدة سنوات لضمان استمرار النزاعات حتى يكون الحل المنشود يطلب من أميركا بدلاً من فرضها له بالقوة ولا يعني ذلك إلغاء احتمال تنفيذه بالقوة لو سارت الأحداث بعكس ما كانت ترجو. في ذات الوقت، أميركا تلعب بأوراق مشابهة مع إيران وسورية وحلفائها الروس والصينيين، فهي لا تستطيع المناورة بدون التودد لإيران بحيث تستمر في مجاراتها في الملف النووي وهي بعينها الأخرى تحاول انتهاز مكسب جديد من تواجد داعش، أي أنها تضغط على إيران بورقة داعش التي تهدد إيران – إعلاميا وتكتيكيا ولكنه تهديد غير حقيقي – ومصالحها في العراق وخطتها التمددية. كما أنها تطيل من الحرب السورية رغم قناعتي الشخصية أبنها تستطيع إدارة الحرب بطريقة أقوى بحيث تجبر النظام الأسدي على التنحي لو أرادت دون تردد كبير من ردة الفعل الروسية، ولكنها تعتبر سورية أيضاً ورقة ضغط على جميع دول المنطقة وتلعب على وتر الطائفية بحيث تضمن استمرار تدفق النفط لها بسلاسة، وتأمين توغل إسرائيل في فلسطين وحمايتها من جميع الأطراف المعادية، وبكل تأكيد سوف تغير من استراتيجية الحرب السورية لو رأت مصلحة في ذلك أو تغيرت موازين القوى لصالح طرف لا تريده أو طرف تريده ولكنه قد يشكل خطرا في المستقبل كما هو حال داعش والجيش الحر. نعود للضربات الأميركية على مواقع المدفعية لتنظيم داعش في أربيل بكردستان وإن صدق حدسي فسوف تكون الضربات والقصف مهما طالت المدة أو تكررت بنفس المقياس النوعي والكمي، لن تطال الخسائر إلا معدات يمكن تعويضها بسهولة ونوعية القتلى من طرف داعش لن تكون ذات أهمية حتى لو زاد العدد، ففي معتقد المغرر بهم أنها شهادة وهذا ما يروج له سادة الدواعش وبه استطاعوا خداع الآلاف حتى انضمت لهم أعداد كبيرة حتى من أوروبا. مجريات الأحداث حتى الآن - رغم اختلاف تحليلات السياسيين وتباين بعضها البعض - إلا أنها تؤكد بأن الأعداء يخططون جيداً، فأميركا تخطط وتنفذ ولديها خطط بديلة ولها موالون، دولا وأفرادا وجماعات، يدعمون وينفذون وكذلك إسرائيل، وإيران تلعب في عدة ملاعب ولها موالون ولها أصدقاء يساعدون ويستفيدون.. بقي أن نسأل أنفسنا: هل نكتفي بالدفاع دوما وفي جميع الأحداث نكتفي بإدارة الأزمات أم آن الأوان لمواجهة الأعداء بخطط دفاعية وأخرى هجومية؟ وليس بالضرورة أن تكون قتالية ولكن بآفاق سياسية متحررة من القيود وطرق اقتصادية مدروسة غير ارتجالية وأساليب إعلامية حديثة مؤثرة.