م. محمد أحمد الشنقيطي لست هنا بصدد تبرير أي قصور يتم في الاحتياط للكوارث الطبيعية من قبل المسؤولين عن مثل تلك الاحتياطات، وإنما أهدف إلى تسليط الضوء عليها من وجهة نظر علمية. الكوارث الطبيعية هي كل حدث يخرج عن دائرة المعتاد وتترتب عليه أضرار مادية أو بشرية سواء كانت جروحا أو إعاقة أو وفاة. أكثر الكوارث الطبيعية حضورا وضررا هي العواصف والزلازل والبراكين والسيول والانهيارات الأرضية. المملكة العربية السعودية ذات تاريخ زلزالي وبركاني وهذا واضح من تضاريسها. كما أن أطراف المنطقة الجنوبية الشرقية منها قد تكون ذات تاريخ يتعلق بالأعاصير القادمة إلى البحر العربي من المحيط الهندي، والكوارث أمر طبيعي من سنن الله في كونه. من الخطأ أن نقول هل ستقع كارثة والصواب أن نقول متى ستقع الكارثة. الكوارث تحدث بمعدل يمكن استقراؤه من علم الإحصاء وعلم الاحتمالات. أي أنه لأي منطقة ما يمكن تحديد احتمالات حدوث الكارثة في المستقبل من خلال تقصي مرات حدوثها في الماضي ثم يتم الاستقراء من خلال ذلك، وكلما كبر حجم الكارثة قلّ احتمال حدوثها في زمن معين، ذلك يعني أن مرات تكرار الكوارث الكبرى أقل من مرات تكرار الكوارث المتوسطة. ففي علم قوى الزلازل ننظر مثلا إلى احتمال وقوع زلزال بقوة 6 درجات على مقياس رختر في 40 عاما باحتمال مقداره 10%، ومن واقع ذلك نستطيع تحديد القوة الزلزالية المطلوبة لذلك التصميم بحسب المنطقة وتاريخها الزلزالي وبحسب متطلبات الكود المستخدم في التصميم. ذلك هو ما يسفر عنه استقراء الاحتمالات الطبيعية وتطبيق معايير علمية عليها. ويضيف الإنسان إلى تلك الاحتمالات المزيد من المعطيات المعوقة للأسف الشديد. ولنأخذ على سبيل المثال موضوع السيول، شكلت الطبيعة على مر الزمن مجاري طبيعية للسيول عبر ملايين السنين، وتدخلنا في النظام الطبوجرافي هذا بسد تلك المجاري بالردم أو القص أو إنشاء القوم أو البناء في الطريق التقليدي للسيول، ولا بد أن ندفع الثمن للأسف الشديد. السيل لا يقف حتى يصل إلى البحر أو تمتصه الأرض بعد حين إن وصل إلى أرض واسعة منخفضة. إضافة إلى ذلك فإن العبارات ومجاري التصريف الحالية صممت على فرضية سعة سيول معينة. ومع تغير المناخ عالميا فاقت وستفوق السيول فرضيات التصميم. وهذه مشكلة عالمية. يمكن أن نقول، مما سبق، إننا يجب ألا نستغرب وقوع الكوارث بل يجب توقعها والاستعداد لها. أما توقع حجم وفترة احتمال حدوثها فيتم بطرق علمية تمكن المهندس المصمم، على سبيل المثال، من التصميم المقاوم للزلازل أخذا بعين الاعتبار الحجم المتوقع ودرجة السلامة المطلوبة، وقس على ذلك بقية الكوارث. درجة السلامة المطلوبة للمستشفيات والمدارس أعلى بكثير من درجة السلامة المطلوبة لمنزل، بالنسبة للمستشفيات يجب تفادي خسارة الأرواح مع تفادي الضرر الإنشائي المعوق، بينما في حالة المنزل فالتصميم يقوم على أساس تجنب خسارة الأرواح مع قبول بعض الضرر الإنشائي الفادح، والفرق بين المستويين هو موضوع التكلفة. التكلفة تتوقف على المتانة المنشودة في التصميم. كتبت هذا لما يدور في المجتمع من نقاشات حول الكوارث سواء بالنسبة لسيول جدة سابقا أو سيول مكة الآن، وتاريخ مكة القديم، على سبيل المثال لا الحصر، حافل بالسيول التي هدمت أجزاء من الكعبة وأغرقت الناس وجرفت جثثهم من الحرم إلى أسفل حي المسفلة. والخلاصة أن الكوارث أمر طبيعي التكرار، وليس بوسعنا إلا أن نستعد لها بالوسائل التالية: جمع المعلومات واستخدامها في التصميم حسب نوع المنشأة أو الحدث المتوقع والالتزام باشتراطات الأكواد. احترام طبوجرافيا الطبيعة "طريقة تشكل سطح الأرض" وعدم التعرض لها قدر الإمكان. تجهيز وسائل الدفاع المدني بالتقنيات والمعدات والتدريب اللازم لمواجهة الكوارث بشكل فاعل.