اعتبر مفتي جبل لبنان فضيلة الشيخ محمد علي الجوزو، حزب الله "مجرد أداة" لتنفيذ أجندة إيرانية، تسعى لتكريس طهران كقوة وحيدة في الشرق الأوسط، وهو ما قاده للمطالبة بضرورة محاكمة قادة حزب الله، الذين أعطوا الأمر باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري. الجوزو في حديث مطول له مع "الوطن"، عدّ شعار "الشعب والجيش والمقاومة" سقط نظرياً في لبنان، في أعقاب تورط حزب الله في الحرب السورية، دون تفويض من شعبه، أو إذن من حكومته، مؤكداً أن الحزب الطائفي بات يناقض نفسه، من خلال ادعائه انحيازه للمقاومة الشعبية، في حين وقف ضد انتفاضة الشعب السوري في وجه نظام حكمه الغاشم، مما يؤكد أنه مجرد أداة في يد "النظام الإيراني"، الذي يريد استخدامه لتنفيذ مخططاته المشبوهة في المنطقة، كل هذا وغيره، فإلى تفاصيل الحوار: ما قراءتك للوضع السياسي في لبنان بعد تشكيل "حكومة المصلحة الوطنية"؟ لاشك أن الشعار يبشر بالخير. لكن تعود الأهمية إلى تطبيقه من قبل الفرقاء الموجودين على الساحة اللبنانية، في ظل تعدد المصالح التي تدفع البعض نحو تعطيل الحركة السياسية في لبنان، وخير دليل على ذلك ولادة حكومة "المصلحة الوطنية" بعد 10 أشهر من التعطيل. ثلاثية الزيف شهدنا في الفترة الأخيرة صراعاً مريراً حول البيان الوزاري بين متمسك بإعلان بعبدا، وآخر يريد ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، فهل ترى واقعية هذه الترويكا بعد تورط حزب الله في الحرب السورية؟ هذه الثلاثية تزييف للحقائق، لأن حزب الله ذهب للقتال في سورية دون استئذان الشعب أو الدولة، وهذا بدوره كاف تماماً لإلغاء هذه الثلاثية، لأنه يقاتل في سورية لصالح فريق غير عربي. للأسف، يملك حزب الله توجهاً عنصرياً متشددا لا يمت إلى الإسلام بأي صلة، لأن الإسلام لا يأمره بقتال المسلمين وذبح الشعب السوري لمساندة بشار الأسد. لذلك بات شعار "الشعب والجيش والمقاومة" غير موضوعي، لأن حزب الله يقدم نفسه اليوم كحركة شبيهة ب"داعش"، و"جبهة النصرة"، التي نشأت في الأساس للرد على وجود حزب الله في سورية. انتهاء المقاومة قد يهاجمك البعض على هذا الكلام على قاعدة أنك تلغي دور حزب الله في مقاومة إسرائيل؟ يجب ألا ننسى أن المقاومة في جنوبلبنان بدأت فلسطينية، حيث تدرب جميع قادة حزب الله مع ياسر عرفات. وعند خروجه من لبنان لم يعد سوى حزب الله كغطاء للمقاومة. لكن قبل هذه الفترة نفذ الفدائيون الفلسطينيون عمليات على الشريط الحدودي ضد الجيش الإسرائيلي، ثم استفاد حزب الله من عدم وجود غطاء للمقاومة الفلسطينية في الجنوب، ليكون بعد ذلك الحزب الوحيد في العالمين العربي والإسلامي، الذي حقق انتصارات ضد إسرائيل. لكن من يقاتل إسرائيل لا يقتل الشعبين السوري واللبناني. والغريب أيضا أنه استفاد من خبرات الفلسطينيين في تفجيرات السيارات، ليطبقها في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أي أنه استفاد من التجارب التي تعلمها من الفدائيين الفلسطينيين، لينفذها في لبنان، دون أن يفعل ذلك في إسرائيل، فلم يفجر أي سيارة هناك أو ينفذ عملية ضخمة، باستثناء خطف الجنديين الإسرائيليين فكانت سببا لإشعال حرب عام 2006، التي دمر فيها لبنان من جنوبه إلى شماله. إذاً لم يعد هناك شيء اسمه مقاومة. لم تعد هناك حرب على إسرائيل. لقد اختبأ حزب الله خلف القرار 1701 كي لا يوجه ضربة واحدة ضد إسرائيل، ثم ما لبث أن أضفى "قدسية ما" على حربه في سورية، لخدمة مشروعه الطائفي المذهبي العنصري، الذي لا يربطه رابط بأي مبادئ أو قيم أخلاقية إسلامية. لكن إذا سرنا بهذا المنطق فهذا يعني أن حزب الله يسعى لتكريس نفسه كسلطة أحادية حاكمة للبلد؟ ألم يلغ حزب الله كل القوى السياسية في لبنان. لماذا ننسى تعطيله للحكومات اللبنانية عندما سحب وزراءه، ثم انقلب على حكومة الوحدة الوطنية التي ترأسها الرئيس سعد الحريري فأسقطها حتى ينفرد بالحكم؟ محاكمة القتلة بالانتقال إلى الحرب السورية، يقاتل حزب الله الجيش السوري الحر وبعض الجماعات الإسلامية مثل جبهة النصرة وداعش. هل تسعى حركات الإسلام السياسي إلى إيجاد معادلات جديدة في المنطقة؟ الحركات المتطرفة مثل "داعش" وغيرها ظهرت كردة فعل للتعصب "الشيعي" المتمثل في حزب الله والمتحالف مع بشار، ومن قبله والده حافظ الأسد. ونعلم جميعا أن "الرعاية الأسدية غطت كل الجرائم التي ارتكبت في لبنان" بمن فيهم ضحايا فريق 14 آذار. أليس غريبا عدم سقوط ضحايا من فريق 8 آذار. أليس ذلك دليلاً على تحالف بشار الأسد مع توجه فريق الثامن من آذار المذهبي، وبالتالي لا نستطيع عمل لبنان جديد على مقاس حزب الله وإيران وبشار الأسد. في هذا السياق أريد التشديد على أهمية محاسبة من أعطى الأمر بقتل الحريري دون الاكتفاء بمعاقبة عناصر حزب الله الأربعة المتهمين بهذا الأمر. يجب أن تصل المحكمة الدولية إلى "زعماء حزب الله وحسن نصر الله" على إعطائهم تعليمات بقتل الحريري من أجل محاكمتهم. ويمكن القول إن جريمة اغتيال الحريري تصب في تنفيذ الأجندة الإيرانية الساعية إلى فرض نفسها على المنطقة من خلال استعمال حزب الله. داعش وتشويه الإسلام بالعودة إلى الحركة في سورية؛ ألم يتسبب "داعش" في تشويه صورة الإسلام بما ارتكبه من عمليات قتل وتخويف وتهجير؟ لماذا الاعتراض على ما تمارسه "داعش" دون فعل الشيء نفسه مع حزب الله. كلاهما من ذات الطينة، خصوصاً أن الأخير يقاتل في سورية على أساس مذهبي، فأوجد فرقة خاصة تدعي تمثيلها للمذهب الشيعي حتى يقاتل تحت ظلها، وهو ما لا يوافقه عليه كثير من أنصار ذات المذهب. ثورة شعبية كيف تنظر إلى الثورة السورية؟ يؤمن كل لبناني لديه بعض الإحساس بالحرية والكرامة والعزة بحق الشعب السوري في التحرر من بشار الأسد. لذلك اعتبرنا يوم خروجه من لبنان يوم عيد كبير بعد قتله لمن يعارضه وفي مقدمتهم الرئيس رفيق الحريري. إذاً لماذا لا يحق للشعب السوري التحرر من ديكتاتور وقاتل وسفاح يريد إبادته. لماذا يملك حق حكم سورية إلى الأبد كما فعل والده. من هنا أبتعد عن أي تصنيف للثورة السورية، لأنها جاءت للرد على جرائم ارتكبها بشار الأسد في درعا، بعد قتله أطفالا رفعوا شعارات مناوئة له، من ثم تجاوبت باقي المناطق السورية مع احتجاج أهالي درعا على إعدام أطفالهم، دون أن يرفعوا شعارات إسلامية أو سياسية. هي ثورة وطنية سورية عروبية، اندلعت دفاعاً عن كرامة الشعب السوري وحريته. لكن تظهر مقاطع الفيديو على الإنترنت قدوم مقاتلين من كل أصقاع الأرض للقتال في سورية. ما تفسيرك لذلك؟ حصل ذلك بعد ما شاهده هؤلاء من مجازر ارتكبها النظام بحق الشعب الأعزل، بمساندة دول خارجية مثل "إيرانوروسيا"، اللتين لم تكتفيا بمساعدة النظام اقتصادياً وعسكريا، بل أوفدتا خبراء عسكريين لتقديم الاستشارات الميدانية لجنوده، كما أمدتاه بكافة أنواع الصواريخ والطائرات والبراميل المتفجرة. كل هذا في غياب أي تسليح أو دعم حقيقي للشعب السوري المكافح، الذي يريد ديموقراطية عصرية، يرفضها هؤلاء، من أجل تكريس أهداف طائفية. ويمكن التأكيد على أن الجيش السوري الحر يقاتل من أجل كل السوريين بالرغم من حرمانه من السلاح. ازدواجية المعايير في ظل ضعف الجيش الحر وعدم إمداده بالسلاح كما تفضلت، هل الجماعات الإرهابية تعتبر بديلاً له؟ رغم عدم موافقتي لما تقترفه بعض هذه الجماعات، وإنكاري الشديد لكل حوادث قتل المدنيين والعمليات الانتحارية، إلا أنني لا أعرف لماذا يصر البعض على ربط الإرهاب بالإسلاميين دون غيرهم. يبدو أن ذلك أصبح موضة. للأسف نحن نلصق الإرهاب بالدين، في الوقت الذي يعتبر الإرهاب الإسرائيلي أكثر فتكا من إرهاب أخطر الحركات الإسلامية! تقتل إسرائيل خيرة شباب فلسطين، وتحبسهم سنوات طويلة دون أن يطالب أحد بخروجهم، في محاولة لتهويد القدسوفلسطين. يقول الجميع في العالم: نحن ضد الإرهاب الإسلامي دون إدانة الإرهاب اليهودي أو حتى الحديث عنه، رغم توسيع المستوطنات وسعي إسرائيل للسيطرة على القدس، في التفاف إرهابي عنصري مدعوم من أميركا والغرب. تشير بعض التحليلات السياسية إلى أن ما يحدث اليوم في العالم العربي هو محاولة لتصفية القوى الإسلامية القوية، سواء في مصر أو تونس وتجميع بعضها الآخر في سورية من أجل القضاء عليها وتقوية شوكة إسرائيل. هل نحن إزاء مخطط جديد لإعادة تشكيل المنطقة العربية؟ ما يهم إسرائيل هو تمزيق العالم العربي وإضعاف الشعوب الإسلامية. ومن ضمن هذه الخطة خلق حرب وهمية بين مسلمين معتدلين وآخرين متطرفين. في الوقت الذي لا يوجد هذا الأمر من الأساس، لأن الإسلام لا يحمل أفكاراً إرهابية، بل يقدم دعوة للإيمان والإخلاص والصدق والأخلاق. ما يحدث في سورية هو صراع قوى بين الولاياتالمتحدةوروسيا، بغض النظر عن آلاف القتلى من الشعب السوري. الحرب بالوكالة لكنك بذلك تنفي أي دور إيراني في الحرب السورية الذي يحقق من خلال حزب الله تقدما عسكريا واضحا؟ لقد تفرد حزب الله بموقفه عندما ذهب للقتال إلى جانب بشار الأسد في سورية، تنفيذاً لمشروع إيراني كبير في المنطقة. إلا أن اعتماد إيران على الأقلية الشيعية في العالم العربي لن يكفل لها تنفيذ مخططها. لكن هذا لا ينفي استنزافها وتبديدها لطاقاتنا في مواجهتها. هناك حرب "روسية أميركية" دائرة على الأرض السورية. لقد عطلت روسيا مفاوضات جنيف 1 وجنيف 2 حتى لا يصل الفرقاء السوريون إلى اتفاق سلمي، لإطالة أمد الحرب وإبقاء الورقة السورية في يدها إزاء الولاياتالمتحدة. هل توافق على أن سقوط "يبرود" وقبلها "القصير" مؤشر واضح على تقدم الجيش السوري النظامي المدعوم بقوى حزب الله وإيران على المعارضة السورية. وما هي تداعيات ذلك على لبنان؟ كما ذكرت لك، تدور حرب أممية بين الدول الكبرى على أرض سورية. نحن أدوات تنفذ السياسة الدولية، حيث ساندت روسيا فريق الأسد ودعمت الولاياتالمتحدة الثورة، وبالتالي سيفوز المنتصر بالسيادة على سورية والمنطقة، أما لبنان فهو رقم صغير ضمن هذه المعادلة. ولكن حتى إذا انتصر الأسد – لا قدر الله – وهذا مستبعد، فإن ذلك لن يعني تكريس حزب الله كحاكم أوحد في لبنان. مصالح شخصية من يحكم لبنان اليوم؟ الفوضى وحزب الله المعطل لكل شيء. لكنه يسعى حاليا للإتيان برئيس جمهورية على مقاسه. هل تقصد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون؟ عون يسير وراء مصلحته، فينفذ سياسة حزب الله وأمينه العام بحذافيرها، دون الاهتمام بمصلحة المسيحيين كما يدعي. جل ما يهمه هو مصلحته الشخصية من خلال إعادتنا إلى التركيبة الطائفية المقيتة! من هنا فإن فوز عون برئاسة الجمهورية اللبنانية سيكرس الطائفية في الوقت الذي نسعى إلى إلغائها. من هنا أؤكد أن اللبنانيين لن يختاروا رئيس جمهوريتهم الجديد، وسيتم الاتفاق عليه في الخارج. بعد قتل الرئيس رفيق الحريري باتت الطائفة السنية هشة أو ضعيفة. ولماذا؟ لن أصفها هكذا. لكن ذهاب الطائفة السنية إلى التطرف يعني خراب لبنان. لذلك من المهم أن تظهر الطائفة السنية بعض المرونة للتوازن مع طائفة أخرى تبدي القوة من خلال ما تمتلكه من سلاح. ولا يعكس هذا الأمر ضعف الطائفة السنية وقوة الطائفة الشيعية، بل خسارة الشيعة لرصيدهم من المسحيين والسنة والشيعة غير المؤيدين لحزب الله.