للدراسة في الخارج مزايا متعددة، تتميز بها عن الدراسة في الوطن، وإلا لما كان هناك ابتعاث، وهذا ينطبق على معظم دول العالم، فلا تكاد دولة تخلو من مبتعثين إلى خارجها، كما أنه لا يوجد برنامج يضاهي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي في ضخامته. وبنظرة عامة للابتعاث، نجد أن الجوانب الحياتية والاجتماعية والمعرفية المصاحبة للتعليم، لا تقل أهمية عن الدراسة بذاتها، فضلا عن عامل اللغة والاعتماد عن النفس، وتهيئة الجو الملائم للتحصيل العلمي، وهناك من الطلبة من يخوض بشكل كبير في الأنشطة اللاصفية، والأنشطة الاجتماعية، إلا أن هناك من يذهب إلى أبعد من ذلك، ويقحم نفسه في متاهة قد يأتي يوم ولا يعرف منها مخرجا، وأعني من ينصرف عن الدراسة بأمور أخرى سواء ظن بها خيرا وهي عكس ذلك، أو قادته في نهاية المطاف إلى ما لا تحمد عقباه. من الأمثلة على ذلك، من ينغمس في أنشطة يعتقد أنها من باب الدعوة إلى الله، فتجدهم في الأسواق والطرقات يدعون الآخرين للإسلام، متناسين أن أجدى وسيلة للدعوة هي التحلي بالصفات الإسلامية، وفعل الخير دون أن تكون هناك غاية من ذلك، فقد يجبر تصرف يقوم به مسلم يجسد فيه معنى الأخوة الإنسانية تجاه آخر على غير ملته، قد يجبر هذا التصرف ذلك الآخر لاعتناق الإسلام، دون الدعوة إليه صراحة، فضلا عن المعاملة الحسنة، والأمانة، والصدق والإخلاص والوفاء والكرم، وغيرها من الصفات الإسلامية النبيلة. وحتى تتضح الصورة، فأنا لا أدعو هنا إلى النهي عن مناشط الدعوة، ولكن ينبغي معرفة أن الدعوة لها طرق عدة، وغير مباشرة تنم عن قناعة تامة، ولا تحتاج إلى أوراق توزع، أو إلى اصطياد المارة في الطرقات، أو غيرها، فكيف يدعو للإسلام شخص يعلم أن بلاده ابتعثته لنيل العلم، وقدمت له الخدمات المساندة كافة لأداء هذه المهمة الشريفة، بينما انصرف عن ذلك للقيام بمناشط تعرضه للمخاطر، وتصرفه عن أداء الأمانة التي حملتها إياه الدولة، ليكون سفيرا لها، بل إن البعض شرع في إلهاء غيره عن هدفه الأسمى بحجة نشاطات باسم الدين مخالفا بذلك مهمته الأساسية، وأنظمة الدولة التي يقيم بها، ومشوها النظرة التي يفترض أن يعكسها للآخرين عن دينه ووطنه وثقافته. إن العلم هو من أقوى الأسلحة التي يمكن أن ندعو بها إلى الإسلام، فما أجمل أن يكون الإنسان عالما، متحليا بأخلاق نبيلة، وسطيا في تعامله مع الآخرين؛ ليثبت لهم أن الإسلام دين حضارة، وليس دين تشدد.