بهدف "تفتيت" اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان القرن الماضي، يسعى حزب الله، لإقناع اللبنانيين ب"مؤتمر تأسيسي" يزعم أنه سيكون بديلا للاتفاق الذي رسم ملامح الحياة السياسية في لبنان لعقود مضت. الاتفاق الذي شكل، بحسب الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري خلال حديث مع "الوطن"، نهاية لحرب طويلة، "تتم محاربته من الحزب وأدواته، بعد أن فشلوا في تقديم أي شيء لمصلحة لبنان، لأنه لا يعنيهم، لأنهم يدينون بالولاء لإيران وولاية الفقيه"، مضيفا "حزب الله يسعى لتصوير أن الاتفاق لم يعد مناسبا له، ويروج لآخر جديد عبر الاستقواء بسلاحه وفي نهاية الأمر سيجد نفسه أمام عقدة تاريخية". وعن الأمر ذاته، قال مفتي جبل لبنان الشيخ محمد الجوزو: "لا يمكن تغيير اتفاق أعاد للبنان الاستقرار، وغير مقبول الحديث عن مؤتمر تأسيسي ينهي صورة لبنان التعددية المشتركة التي توافقنا عليها". في عام 2012 ألقى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مفاجأة من العيار الثقيل، هزت الشارع اللبناني برمته، عندما أعلن في سياق حديثه عن طاولة الحوار الوطني عن ضرورة معالجة الأسباب من أجل بناء دولة حقيقية عبر إقامة مؤتمر تأسيسي وطني في لبنان أسوة ببعض الدول في العالم العربي. وفي تلك السنة كان "الوضع الأمني معقولا نسبيا" - على حد تعبيره - "ما يسمح بانتخاب مؤتمر تأسيسي، ليس على أساس طائفي بل على أساس شرائح ونسب مئوية، لديه مهلة 6 أشهر أو سنة، لمناقشة كل الخيارات". أي كان المطلوب - حسب هذه الكلمات - إعادة النظر في اتفاق الطائف عبر إدخال تعديلات دستورية تعيد توزيع الصلاحيات بين اللبنانيين. قامت الدنيا ولم تقعد في حينها. انتفض جزء كبير من اللبنانيين ضد هذا الكلام، على قاعدة أنه يتنافى مع الصيغة اللبنانية والتركيبة الاجتماعية السياسية في البلد، بعد أن تم التوصل إلى اتفاق كفل للبنان الاستقرار بعد حرب أهلية دموية طويلة، وشكل اتفاق الطائف الأرضية لذلك الاتفاق. دخول حزب الله لسورية أقفل الموضوع في حينها. لكن بعد دخول حزب الله إلى سورية، للقتال مع نظام بشار الأسد ضد الثورة السورية، أعاد فريق الثامن من آذار وعلى استحياء إلى الحديث عن إقامة مؤتمر تأسيسي في لبنان، من أجل التوصل لصيغة جديدة كفيلة بتسهيل عمليات انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومات المتعاقبة، بعد تعثر ولادة حكومة الرئيس تمام سلام عشرة أشهر. كان رد فريق الرابع عشر من آذار على هذا الكلام واضحاً، "لا تعدل الدساتير وفقاً لمصالح حزبية وفئوية، إنما تتطلب نوعاً من إجماع وطني، تحقيقاً لتسوية، وتصحيحاً لشوائب في النصوص أظهرتها الممارسة، فضلاً عن أن التجاوب مع رغبة كل فئة بتعديل الدستور من أجل أن يتناسب مع حجمها المستجد "الديموغرافي"، أو "الجيو سياسي" مسألة في غاية الخطورة، لأنها تبقي باب التعديلات مفتوحاً، مما يعني تشريعاً لمبدأ الاستقواء لانتزاع مزيد من الصلاحيات، الأمر الذي يعني إبقاء عناصر الأزمة وعواملها قائمة، واستمرار الصراع بأشكاله المختلفة". محاربة "الطائف" في هذا السياق، يقول الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري: "شكل اتفاق الطائف حلا لإنهاء حرب طويلة، أنهكت الشعب اللبناني، بعد أن تسببت له بكثير من المآسي، فجاء نتيجة ضرورية لتلاقي اللبنانيين واجتماعهم في دستور واحد. وبطبيعة الحال، لا يمكن عمل مؤتمر تأسيسي من فترة إلى أخرى، ونحن مقتنعون بأن اتفاق الطائف جاء لصالح لبنان". ورد الحريري على من يعد بأن اتفاق الطائف لم يحقق شيئا للبنان بقوله: "يحارب هؤلاء اتفاق الطائف، بعد أن فشلوا في تقديم أي شيء لمصلحة لبنان. لا تعنيهم الدولة اللبنانية على الإطلاق، لأنهم يدينون بالولاء لدولتهم الأساسية إيران وولاية الفقيه. وللأسف، بات حسن نصر الله هو الولي الفقيه في لبنان، فيسعى لتطبيق السياسات التي تعجبه ويريدها". وتعجب الحريري من مطالبة البعض بعمل اتفاق جديد قائم على فكرة المثالثة بين السنة والشيعة والمسيحيين، ويقول: "حزب الله يرى من خلال هذا الكلام بأن اتفاق الطائف لم يعد مناسباً له، فيروج إلى اتفاق جديد قائم على المثالثة عبر الاستقواء بسلاحه. أي أنه يسعى لتغيير المعادلة اللبنانية ليكون السلطة الأساسية في البلد. لكن فعلياً، لا يمكن عمل اتفاق جديد، بعد أن بات الطائف غير مناسب لحزب الله، الذي سيجد نفسه أمام عقدة تاريخية". الدعوة الهادئة أوجد اتفاق الطائف تسوية بين اللبنانيين، عبر ميثاق وفّق بين لبنانية المسلمين وعروبة المسيحيّين، أي بتكامل اللبنانية والعروبة، لا بتصادُمهما وتناقضهما وهو ما عُرف ب"نهائية لبنان" من جهة، و"بلد عربي الهوية والانتماء" من جهة أخرى. لكن مع بروز المسألة الشيعية مع سقوط نظام صدام حسين في العراق، وتمدُّد النظام الإيراني الذي يحاول بناء نفوذ له في الشرق الأوسط من خلال نظام بشار الأسد في سورية، وحماس في غزة، وحزب الله في لبنان، دفع ذلك الأخير كما تشير بعض التحليلات إلى الدعوة الهادئة لاستبدال اتفاق الطائف بآخر، حسب التوازنات الجديدة الموجودة على الأرض. هدم لبنان عبر إلغاء الطائف وهذا ما يرفضه جملة وتفصيلا مفتي جبل لبنان فضيلة الشيخ محمد علي الجوزو بقوله: "لا يمكن تغيير اتفاق الطائف الذي أعاد إلى لبنان الاستقرار. ومن غير المقبول الحديث عن مؤتمر تأسيسي قد ينهي صورة لبنان التعددية والعيش المشترك التي توافقنا عليها". ويؤكد الجوزو أن الهدف من الكلام عن مؤتمر "هدم لبنان من خلال القضاء على اتفاق الطائف، ومقدمة الدستور الميثاقية التي تؤكد على أن استمرار لبنان قائم على التعددية والعيش المشترك الذي توافق عليه اللبنانيون". صلاحيات الرئيس لكن يرفع مسيحيو الثامن من آذار الصوت عالياً بإعادة بعض صلاحيات رئيس الجمهورية، التي أعطاها اتفاق الطائف إلى مجلس الوزراء، كخطوة لإعادة الاعتبار إلى أعلى موقع في الدولة اللبنانية الذي تمثله الطائفة المارونية المسيحية. وهنا ردت أوساط الرابع عشر من آذار على هذا الكلام بقولها إن ما تم الاتفاق عليه في الطائف هو أن تكون الصلاحيات القوية في مجلس الوزراء مجتمعا. وعندما يتكلم البعض اليوم عن صلاحيات معينة لرئيس الجمهورية، فعلينا أن نتفق عندها، هل نحن في نظام رئاسي أم نظام برلماني؟ مما يعني أن المشكلة ليست في صلاحيات رئيس الجمهورية، بل في ممارسات معينة حصلت وأزمات مر بها لبنان! ويختصر رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون هذا السجال الدائر حول إقامة مؤتمر تأسيسي لإعادة النظر في اتفاق الطائف بعبارة واحدة "دعونا نطبق اتفاق الطائف أولا قبل الحديث عن تعديله أو تغييره". قيادة لبنان للمجهول ويراهن البعض في فريق الثامن من آذار على أن مشاركة حزب الله في سورية، وحصوله على أسلحة متطورة تزيد من قوته العسكرية، قد ترسم معادلات جديدة على الأرض، قد تفرض على رئيس الجمهورية القادم الدعوة لإقامة مؤتمر تأسيسي بدلاً من طاولة الحوار، مما يعني أن حزب الله قد نجح في جر اللبنانيين دون أن يشعروا، إلى المؤتمر التأسيسي الذي طالب به أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله. وهو ما قد يدفع لبنان إلى المجهول سواء على الصعيد الدستوري أو السياسي أو الاجتماعي، بعد إعادة توزيع حزب الله للصلاحيات في لبنان من خلال المؤتمر التأسيسي، الشيء الذي سيجد ترجمة عملية بمزيد من الانفلات الأمني. "الطائف".. واستقرار لبنان وهنا يرى أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية الدكتور وسيم المنصوري، أنه من حيث المبدأ لا حاجة اليوم إلى مؤتمر تأسيسي، لأن اتفاق الطائف تم وضعه بمشاركة عربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وما زالت المظلة العربية والدولية موجودة في لبنان حفاظاً على الاستقرار الداخلي، وبالتالي ليس هناك حاجة لنقاش جديد حول الصيغة اللبنانية التي لم تتغير منذ إعلان دولة لبنان الكبير في عام 1926 مرورا بالميثاق الوطني وصولا إلى اتفاق الطائف". لكن المنصوري يجد أن ما يحتاج له لبنان اليوم هو "تطبيق اتفاق الطائف قبل البحث عن بديل عنه. والأهم من هذا البحث عن نصوصه غير المطبقة من أجل عمل دراسة حول أسباب عدم تنفيذها. ومن ثم الذهاب نحو تطبيق فعلي لإلغاء الطائفية السياسية، عبر تشكيل هيئة وطنية نص عليها اتفاق الطائف. أي يجب استبدال طرح إقامة مؤتمر تأسيسي بتشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية مؤلفة من رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب، رئيس الحكومة، وشخصيات اعتبارية سياسية لبنانية، لإنهاء الطائفية السياسية وفق أسس علمية حتى ننهي مسألة التمييز بين اللبنانيين". صعوبة مثالثة جديدة أما عن طرح فكرة المثاثلة لتطبيقها في اتفاق جديد فيرى المنصوري أن هذا أمر "غير قانوني". ويتابع قائلا "لا أعتقد أن هناك أي جهة سياسية في لبنان يمكن أن تتحمل وزر مناقشة هذا الأمر أو حتى الحديث عنه. إن الترويج للمثالثة ستكون له تداعيات كارثية على المستوى السياسي والاجتماعي. ولن تجد آلية واضحة لتطبيقها في الظروف الحالية". وبناءً على ذلك يدعو المنصوري إلى الحفاظ على الصيغة اللبنانية، وتفعيل المشاركة بين المسيحيين والمسلمين، وتحقيق التنمية في مختلف المناطق اللبنانية، ووضع قانون انتخابات عصري قائم على أن لبنان دائرة انتخابية واحدة وفق مبدأ النسبية. هذا ما نص عليه اتفاق الطائف. وهو ما لم ينفذ حتى الآن! لذلك دعونا نطبق اتفاق الطائف".