حينما تخط بقدميك اليوم ضاحية شارع المنصور العتيق بالعاصمة المقدسة، فإن لغة التخاطب ستختلف مع ساكني الحي الذين قطنوه منذ أكثر من 50 عاماً، فالحديث مع الناس هنا يحمل "لغة الوداع"، مع أقدم الأسواق الشعبية في مكةالمكرمة، فحمدي بدر، وعبد الرحمن هارون من قاطني الشارع، يروون تفاصيل وداعهم للمكان الذي ترعروا فيه، إلا أنهم أكدوا أن إزالة الشارع من باب المصلحة العامة، حيث تقررت إزالته لصالح مشروع طريق الملك عبدالعزيز الطريق الموازي الذي يربط طريق (مكة-جدة) السريع بالخط الطالع للمسجد الحرام. ومع إزالة هذا الشارع الحيوي تنتهي أزمنة عديدة رسمت مخيلة المكان، ولحقت بضفاف الطريق المؤدي للحرم المكي وهو طريق أم القرى، للمساهمة في القضاء على تجمعات مخالفي الإقامة وأماكن الايواء في الأحياء المتداخلة العشوائية. تشير جولة "الوطن" الميدانية إلى أن ساكني الحي الخمسيني بدؤوا في مغادرة المكان والتوجه للسكن نحو المخططات البعيدة، إضافة إلى أن أغلب محال الذهب والمجوهرات التي كانت علامة فارقة في تاريخ مكة، قد انتقلت إلى أماكن أخرى في العاصمة المقدسة. وأكد مدير إدارة الإعلام والنشر بأمانة العاصمة المقدسة أسامة زيتوني أن: "النسيج العمراني لأحياء مكةالمكرمة القديمة تميز بالنمو العفوي غير المنظم شأنه شأن المدن القديمة، حيث وفر هذا النمو خصائص بيئية واجتماعية تتلاءم مع احتياج المجتمع في ذلك الوقت الذي كان يركز في تنقلاته على المشي أو استخدام الدواب، كما أنه وفر مباني تتلاءم مع المناخ السائد من التصاق المباني واستخدام الطرقات الضيقة". وأضاف زيتوني أنه مع مرور الزمن وتغير نمط الحياة الاجتماعية أصبحت هذه الأحياء لا تتلاءم مع احتياجات السكان ولا تلبي طلباتهم، ولا توفر لهم الخدمات اللازمة مع استخدام المركبات والتقنيات الحديثة ووسائلها المختلفة. وأوضح أن الهجرة من القرى للمدن وبقاء أعداد من الحجاج والمعتمرين في فترات مختلفة أوجدا أحياء عشوائية، فكان لنموها أثر سلبي على العاصمة المقدسة، ولم تتمكن الجهات الخدمية من توفير الخدمات الضرورية لها وفق أسس علمية تراعى فيها النواحي التخطيطية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية، ويقول: "لذلك كان لزاما على أمانه العاصمة المقدسة والجهات المختصة وضع خطط عملية لتطوير المدينه بما يتواكب مع التطور والنمو العمراني والسكاني، ولقد قامت الأمانة بإعداد دراسات مستفيضة للعديد من المناطق العشوائية، لوضع آلية مناسبة لتسريع التنفيذ في هذه المناطق، تساهم فيها جميع الجهات الخدمية في تنفيذ الأعمال وفق اختصاص كل جهة". وأضاف:" من هذا المنطلق قدمت الأمانة الخدمات البلدية لسكان مكةالمكرمة في جميع أحيائها الحديثه مع توفير كافة الخدمات وبشكل متوازن، تشمل أعمال النظافة والتخلص من النفايات وأعمال المكافحة والرش بالمبيدات الحشرية للقوارض والحشرات وأعمال السفلتة والأرصفة وصيانتها وأعمال الإنارة وأعمال التشجير وصيانة الحدائق العامة ومتابعة المحلات التجارية والمطاعم وبيع المواد الغذائية والتموينية". من جهته، أرجع عضو مجلس الغرفة التجارية الصناعية بمكةالمكرمة سعد القرشي ارتفاع أسعار الإيجارات وعدم وجود محلات كافية في المناطق العشوائية بالطندباوي والأحياء الشعبية الأخرى لعمليات الهدم والإزالة من المساكن والمحلات التجارية في تلك المواقع. وأوضح أن للغرفة التجارية دورا في هذا الأمر إذ جرى تشكيل لجان مشاركة مثمنة من رجال الأعمال والتجار لدراسة هذه الأمور وإيجاد الحلول المناسبة لحلها في الفترة القادمة والقضاء على هذه الإشكاليات التي توجب تعاون التجار والمواطنين والمقيمين والمستثمرين معا. وكان عدد من سكان الحي قد أكدوا ل "الوطن" نشوب العديد من السلبيات أثناء عمليات الإزالة، وأشار حمدي بدر إلى أنه بالإضافة إلى رفع الأسعار فإن المنطقة تشهد في الوقت الراهن عمليات سرقة العمالة المخالفة لتمديدات شركة الكهرباء والاتصالات السعودية والعديد من المنازل والدور المزالة التي تم هدمها، وأن أصحاب المحلات والبيوت المجاورة للسوق يبيعون مستلزماتهم والأدوات البسيطة بأرخص الأسعار، ويتراوح بيع المكيفات المستعملة ما بين ال 300 -400 ريال بسبب المشروع ولسرعة مغادرة سكان الحي المكان.