ألفريد نوبل العالم السويدي الشهير وصاحب الاختراع المشؤوم "الديناميت" الذي ذهب ضحيته آلاف الأرواح البريئة وارتبط اسم هذا الاختراع بمختلف أعمال العنف والإرهاب والتخريب حتى صار الناس يتشاءمون من مجرد ذكره. استطاع نوبل ومن خلال هذا الاختراع الذي يزيد من فرص الموت، أن يجمع ثروة طائلة حتى أطلق عليه الناس (تاجر الموت) من باب السخرية والتندر، مع أنه كان يظن بأن اختراعه سوف يجلب له محبة الناس لما كان لهذا الاختراع من أهداف سامية تصب في خدمة البشرية، ومنها المساعدة على أعمال الحفر والتعدين وتجنب الانفجارات غير المرشدة. لم يدر في ذهن نوبل بأن هذا الاختراع سوف يجلب له العداوة والكراهية حتى شنت عليه الصحافة الأوروبية هجمات إعلامية شرسة تندد بهذا الاختراع، واصفة نوبل ب(صانع الموت)، وهذا قد أصاب نوبل بالارتياب من أن ينقلب اختراعه إلى وصمة عار ونقطة سوداء على جبينه جعلته يخشى على ذكراه بعد الموت. فكان نتيجة خوف ألفريد نوبل من أن يتلطخ اسمه بالسواد دائماً وأبداً، فعمل على أن خصص جزءاً كبيراً من تركته بعد الموت لتأسيس جائزة تمنح لكل من يسهم في أعمال السلام وكل من يخدم الإنسانية من خلال أعماله العلمية أو الأدبية، فصارت من المفارقات العجيبة المثيرة للسخرية أن يكون صانع الموت الذي جمع ثروته من اختراع يسهم في صناعة الموت والدمار يخصص جزءاً من ميراثه في دعم الأعمال السلمية والإنسانية التي تمنح البشرية مزيداً من فرص التطور والرفاهية، وهذا ما دفع الكاتب الإيرلندي الشهير جورج برنارد شو يرفض الجائزة الممنوحة له بسخرية قائلاً: (إني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت، ولكنني لا أغفر له إنشاء جائزة نوبل). وليس هو بأول من رفض هذه الجائزة فقد توالت عمليات الرفض لهذه الجائزة، ومن أشهر من رفضوا الجائزة فيلسوف الوجودية ورأسها الأكبر (جون بول سارتر) لأن الجائزة لا تتوافق مع مبادئه الوجودية والإنسانية، معتقداً بأن: (حكم الآخرين علينا يتنافى مع ذواتنا الإنسانية)، هذا بالإضافة لوصفه لها بأنها مثل (صكوك الغفران)، مع أن الأديب ألبير كامو الذي يحمل نفس أفكاره الفلسفية ونزعاته الوجودية وصاحب الرواية الشهيرة (الغريب)، لم يرفض الجائزة ولم يشكك في أهدافها ومبادئها. كان جون بول سارتر يعتقد بأن جائزة نوبل ذات أهداف سياسية خالصة والعمل الأدبي والإنساني عندما يقحم في السياسة ويتم تسييسه فإنه يفقد إنسانيته وغاياته السامية، وهو يأتي مؤيداً لنفس العذر الذي قدمه الأديب والشاعر الروسي بوريس باسترناك صاحب الرواية الوحيدة (دكتور زيفاجو) التي من أجلها منح باسترناك الجائزة ولكن وبعد ضغوطات كبيرة من الحكومة السوفيتية التي كانت تعتقد بأن الجائزة ذات دلالات سياسية مغرضة للإساءة للدولة الشيوعية، رفض باسترناك الجائزة مرغماً. والأديب العربي نجيب محفوظ قد طالته الاتهامات عندما حاز على جائزة نوبل للأدب عن روايته (أولاد حارتنا)، التي وصفها خصوم نجيب محفوظ بأنها تحمل استفزازات بليغة للأديان والرسل وتصورهم بشكل غير لائق. أما من الناحية السياسية فإن هناك من علل حصول محفوظ على الجائزة لموقفه المؤيد لاتفاقية كامب ديفيد التي كان بطلها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات والساعية للتطبيع مع العدو الصهيوني وفك الحصار الاقتصادي عن دولة إسرائيل من قبل الدول العربية، ومن عاصروا نجيب محفوظ من الأدباء مثل يوسف إدريس كان من ضمن المتهمين للجائزة بأنها ذات أبعاد سياسية، وما كان منح نجيب محفوظ للجائزة إلا بسبب موقفه المؤيد لمعاهدة كامب ديفيد. ومن الغرائب أن الزعيم الهندي المهاتما غاندي قد ترشح للجائزة 12 مرة ولكنه لم يحصل عليها، وفي المقابل حصل عليها مباشرة رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن الذي كان طرفاً في اتفاقية كامب ديفيد، وهذا مما يرسخ الاعتقاد بأن منح الجائزة يرضخ وبشدة لمعايير ذات دلالات سياسية. ورضوخ الجائزة لمعايير ذات أبعاد سياسية يفقدها بلا أدنى شك مصداقيتها من الناحية الإنسانية، فلا اتفاق مطلقاً بين السياسة والإنسانية، وعلمانية السياسة ومواصفاتها المكيافيلية لا تضع الجانب الإنساني في عين الاعتبار، بل بالعكس فهي تسعى لتحطيم كل العقبات الإنسانية عندما تكون حجر عثرة في سبيل تحقيق الغايات والمصالح السياسية. وهكذا ظهرت مشكلة جديدة ارتبطت بالمخترع المنحوس ألفريد نوبل وجائزته التي خرجت من طابعها الإنساني والتصقت بأغراض السياسة والسياسيين، مما يعني مساهمتها في تبني مشاريع سياسية قد لا تخدم الجانب السلمي، كما يعتقد خصوم الجائزة.