منذ إنشائها في العام 1977م ظلت جائزة الملك فيصل العالمية تظهر احتفاءً عظيمًا بالمفكرين والأدباء والعلماء في المجالات المطروحة كافة، في نوافذها دون أي اعتبار لأي مؤثر خارجي سوى التميز، والإجادة، والسبق الذي يضع صاحبه في مقام الحفاوة بها، وهو الأمر الذي أكسب هذه الجائزة على -قصر عمرها مقارنة بمثيلاتها العالمية- صيتًا ومكانًا تعدّى المحيط الإقليمي إلى العالمي في زمن وجيز، ولا أدلّ على ذلك من الإشارة إلى أن عددًا غير قليل من العلماء الذين كرّمتهم جائزة الملك فيصل ومنحتهم جائزتها في المجال الذي برزوا فيه جاءت جائزة نوبل بصيتها المعروف ومكانتها الكبيرة لتكرمهم من بعد تكريم الفيصل لهم.. بل يمنح جائزة الفيصل حق الريادة والسبق بالوقوف على جهود هؤلاء العلماء قبل أن تتفتح أعين “نوبل” عليهم، آخذين في الاعتبار تفاوت العمر الزمني بينهما، فجائزة نوبل التي أنشأها مخترع الديناميت “ألفرد نوبل” بحثًا عن خلاص من عذاب الضمير الذي أثقله جرّاء اختراعه لهذا السلاح الفاتك، بدأت نشاطها في العام 1895م، والفيصل بدأت في العام 1977م، وبحساب الزمن فإن الفارق بينهما يمتد إلى 82 عامًا، غير أن جائزة الفيصل ردمت هذه الهوة البعيدة في حساب الأعمار بالموضوعية في الاختيار، والحيدة في التحكيم، ولم تدخل الحمولات السياسية أو الاعتبارات الجهوية، وأثقال الهوية على توجهها، فكان ثمرة ذلك أن فتحت الضوء أمام “نوبل” مكرمة في سبقها 16 عالمًا عرفتهم نوبل بعد ذلك في محافل احتفائها.. وفي عمر نوبل المديد لم يكن علماء وأدباء وناشطو السلام في دول منطقة الشرق الأوسط بأصحاب حظوة مقارنة برصفائهم في دول العالم الأخرى، فخمسة عرب فقد فازوا بجائزة نوبل في فروع مختلفة، أولهم الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات بعد توقيعه لاتفاقية كامب ديفيد وقد حصل عليها في العام 1978م. فيما حاز على جائزة نوبل للسلام أيضًا الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بعد اتفاق اوسلو عام 1994م، والدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق للهيئة الدولية للطاقة الذرية الفائز بجائزة نوبل للسلام. وكذلك حصل الدكتور أحمد زويل المصري الجنسية على جائزة نوبل في الكيمياء دون الاشتراك مع أحد، بينما حاز الأديب نجيب محفوظ جائزة نوبل في الأدب. فمن الواضح أن دولتان فقط من الشرق الأوسط كانتا في مدار اهتمام “نوبل” هما مصر وفلسطين، فيما نجد جائزة الفيصل قد منحت جائزتها للعديد من العلماء في أقطار العالم كافة، حيث استطاعت 12 دولة عربية الحضور في جائزة الملك فيصل وهي: المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا وفلسطين والكويت والإمارات العربية المتحدة والسودان ولبنان والجزائر والأردن والعراق وقطر من أصل 37 دولة على مستوى العالم أي بما يقارب 32% من أصل الدول المشاركة والتي جاء عدد الدول الإسلامية الغير عربية فيها 10 دول تمثلت في: باكستان واندونيسيا والبوسنة وماليزيا وأفغانستان ونيجيريا وتركيا والنيجر والسنغال وبنجلاديش في الوقت الذي شاركت فيه العديد من الدول الأخرى والمتمثلة في مشاركة كل من: الهند وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية وسويسرا وإيطاليا وجنوب إفريقيا وفرنسا والفلبين وكندا والسويد واليابان واستراليا وروسيا والدنمارك. هذا السبق الذي تحقق لجائزة الفيصل في تكريم العلماء مقارن بجائزة عالمية بحجم جائزة نوبل يفتح باب الأسئلة والاستفسارات على مصراعيه، بحثًا عن أسباب تصدر جائزة الملك فيصل رغم قصر عمرها الزمني إذا ما قورنت بجائزة نوبل، وكيف استطاعت الوصول بشكل أسرع من جائزة تسبقها بهذا الفارق الزمن منذ التأسيس، وكيف يمكن قراءة واقع التكريم من منظور التصدر في تكريم 16 عالمًا، هل نستطيع القول إن هناك تعددًا في مجالات جائزة الملك فيصل جعلها تصل إلى هذا العدد من العلماء لم تستطع جائزة نوبل استحضاره، وهل معايير التكريم لدى جائزة الملك فيصل أقل منها في نوبل من منظور أن هناك اختيارًا حياديًّا جعل هذه الجائزة في هذه المرحلة المتقدمة بين الجوائز العالمية.. هذه الأسئلة وضعها “الأربعاء” على طاولة أربعة ممن لهم صلة مباشرة بهذه الجائزة أو غيرها من الجوائز الأخرى، ممثلين في أمين الجائزة الملك الحالي والسابق، ورئيس لجنتها العلمية، وأمين عام جائزة التميز الإعلامي لجائزة الفيصل.. ضد المقارنة ففي المستهل رفض أمين الجائزة الدكتور عبدالله العثيمين عقد مقارنة بين جائزتي الملك فيصل ونوبل العالميتين قائلًا: نحن لا نضع أنفسنا في مقارنة مع غيرنا سواء أكانت جائزة نوبل أو غيرها من الجوائز الأخرى، فنحن نعطي من يستحق أن يعطى الجائزة بحيادية وبموضوعية بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى. أما الستة عشر عالمًا الذين سبق أن كرمتهم الجائزة فهم لم يكرمون إلا لأنهم علماء يستحقون الفوز، وأنا هنا أؤكد على أننا لا نضع أنفسنا في مقارنات مع الآخرين. جائزة رائدة أما أمين جائزة الملك فيصل العالمية السابق الدكتور أحمد الضبيب فيقول: لا شك أن جائزة الملك فيصل العالمية هي جائزة رائدة على مستوى العالم، وقد حققت كثيرًا من الإنجازات التي تنسب كلها إلى المملكة العربية السعودية، والتي تجعل المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول التي تمنح جوائز ذات قيمة عالمية متميزة. وجائزة الملك فيصل معروفة بحيادتيها وموضوعيتها، فهي لا تؤثر فيها إلا الجوانب الموضوعية، ولا ترتكز إلا على المصداقية فيما يحققه المرشحون لها؛ لذلك فهي جائزة تتميز بالنزاهة الكبرى، لأن الأمانة العامة للجائزة وإدارة الجائزة ليس لها أي رأي في الترشيح أو الاختيار؛ وإنما الترشيح يأتي من مؤسسات علمية وثقافية، وأيضًا ذات صبغة جادة، والاختيار يتم من خلال صفوة من العلماء الذين لهم باع طويل في الموضوعات المعروضة للترشيح، وتقتصر وظيفة الأمانة العامة على التنسيق وعلى ترتيب الجداول وما إلى ذلك. لذلك تعد جائزة الملك فيصل العالمية من الجوائز القليلة التي تتميز بالموضوعية وبالمصداقية، وأكبر دليل على ما تتمتع به هذه الجائزة من مصداقية أن كثيرًا ممن حازوها حازوا بعد ذلك على جائزة نوبل، وكانت مبشرة لهم؛ بل كانت هي المعترفة مسبقًا بجهودهم العلمية وهي تسير على هذا المنوال منذ أن أسست، وستسير على هذا المنوال إن شاء الله في مستقبل أيامها. ويختم الضبيب حديثه بقوله: فهي باختصار استطاعت أن تثبت أقدامها على الساحة العالمية باعتبار أنها جائزة موضوعية وجائزة نزيهة، وانتمى إليها عدد كبير من العلماء في مختلف أنحاء العالم الذين يتميزون هم أيضا بالجدية وبالإنجاز وتقديم المخترقات في حقولهم العلمية، ولذلك جائزة الملك فيصل حققت هذا الوضع المتميز في خلال أقل من 30 عامًا. وأعتقد أن الحضور العربي كان فيها جيدًا؛ خاصة في جائزة الأدب واللغة، حيث لا يكاد يكون قد حظي بها إلا عربي، أما في المجالات العربية الأخرى فهي تعطي صورة حقيقية للوضع العلمي المتدني في الدول العربية. نزاهة وحيادية الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيّع رئيس اللجنة العلمية لجائزة ومنحة الأمير سلمان بن عبدالعزيز والرئيس السابق لهيئة جائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج قال: من المعروف أن هناك تصنيفات كثيرة للجوائز العلمية فمنها الجوائز المحلية الوطنية الخاصة بمواطني دولة ما، ومنها الجوائز الإقليمية الخاصة بإقليم أو قارة أو مجموعة دولية، ومنها الجوائز العالمية التي تقدم للعلماء من أي بلد أو جنسية. كما أنها تختلف في التخصصات والشروط والمبالغ المالية وأساليب الترشيح والمنح وغيرها، وأشهر الجوائز على مستوى العالم هي جوائز نوبل المتنوعة في الطب والعلوم والآداب والسلام، وقد احتلت جوائز نوبل الصدارة بين الجوائز العالمية، وحصل عليها أعلام بارزون خلدوا أسماءهم في سجل الشرف العلمي العالمي بحصولهم على تلك الجوائز، وإن كان -مع الأسف- نصيب العالم العربي والإسلامي منها قليل لأسباب يطول شرحها. ويضيف الربيّع: وعندما أنشئت جائزة الملك فيصل العالمية بفروعها المختلفة لتخليد ذكرى ملك عظيم له مكانة عالية بين زعماء العالم أجمع، وله جهود كبيرة في خدمة وطنه وأمته والبشرية؛ فكانت تلك الجوائز تعبيرًا عن هذه المكانة وليست تكفيرًا عن جرائم ضد البشرية كما هي جائزة نوبل، الذي شعر بالذنب على ما تسببت فيه اختراعاته من دمار شامل فأراد أن يكفّر عن ذنبه بتلك الجوائز، حيث وضعت هيئة الجائزة تحديدات وتقنيات محكمة للجائزة وفروعها وشروطها وآليات منحها ولضمان حياديتها ونزاهتها، ونجحت في المحافظة على ذلك المستوى الرفيع من النزاهة والحيادية؛ حتى إن هيئة الجائزة مثلًا منحتها في الدراسات الإسلامية في إحدى دوراتها لباحثة غير مسلمة، لكنها منصفة للحضارة الإسلامية. خاتمة حديث الربيّع صاغها بقوله: لن نبالغ فنقول إن جائزة الملك فيصل قد فاقت وتجاوزت جائزة نوبل؛ لكننا نقول إن فوز عدد لا بأس به من العلماء بجائزة الملك فيصل أولًا ثم فوزهم بعد ذلك بجائزة نوبل يدل على مكانة الجائزة الفيصلية، وحسن الاختيار، والموضوعية والحيادية في إجراءاتها، وأن هؤلاء الذين فازوا بها قد تم اختيارهم بدقة ودون مجاملة لذلك فازوا بجائزة نوبل فكانت جائزة الفيصل جسر عبور، وفألًا حسنًا عليهم، ودليلًا قاطعًا على المكانة والسمعة العالمية لجائزة الملك فيصل، واستطيع القول إن جائزة الملك فيصل العالمية كانت قد حققت مكانة واحترامًا عالميًّا ليس للجائزة والمؤسسة فقط؛ بل للمملكة العربية السعودية بلد “الفيصل”، وقلب العالم العربي والإسلامي، ونحن في انتظار ما أعلن عنه من إنشاء جائزتين عالميتين جديدتين هما جائزة الملك عبدالله العالمية للثقافة، وجائزة الملك عبدالله العالمية للتراث، بالإضافة إلى جوائز الملك عبدالله العالمية للترجمة؛ ليصبح لدينا منظومة عالمية من الجوائز الكبرى. زامر الحي لا يطرب ويشارك أمين عام جائزة التميز الإعلامي سابقًا الدكتور فايز الشهري بقوله: ما تشير إليه من سبق لجائزة الفيصل على نوبل في تكريم عدد من العلماء يدل على أن جائزة الملك فيصل العالمية تملك معايير علمية عالية المستوى، ولديها آليات تصل إلى المبدعين والبارزين في كل المجالات ربما تتفوق في هذا الجانب على كثير من الجوائز العالمية ومنها جائزة نوبل؛ ولكن المشكلة أن “زامر الحي لا يطرب”؛ أي بمعنى أن الإعلام العربي يفرد المساحات الواسعة للجوائز العالمية، وأنا هنا أتحدث عن الإعلام العربي وليس المحلي، ويكتب عنها الصفحات الطوال في حين يضن على هذه الجائزة التي تحمل اسم رائد مقومات النهضة الحديثة في المملكة والعالم العربي بدون أن يجد الباحث أي مبررات علمية أو إعلامية، ونجد المفكر العربي يركض ويتنازل كثيرًا خاصة في مجالات الأدب حول حمى جوائز نوبل في حين جائزة الملك فيصل العالمية ليست لديها أجندة سياسية ولا تسعى لتلميع شخصيات؛ وإنما وكما يتضح من تاريخها أنها جائزة عالمية تمنح الفائزين جوائزها وفق منهجية منضبطة، ولا أدل من ذلك من حصول عدد من الفائزين بجوائزها على جوائز نوبل، وكأنما تزكيهم جائزة الملك فيصل العالمية، ولو قدر لجائزة الملك فيصل أن تحظى بترويج إعلامي عالمي لربما ستصبح في غضون عقود قليلة أهم من جائزة نوبل لنبل منطلقاتها، ولمكانة من تحمل اسمه في التاريخ العربي والإسلامي، والأهم من هذا كله أنها تنطلق من المملكة العربية السعودية التي عرفت بنهجها المعتدل في السياسة الإقليمية والدولية. **** العلماء الذين حازوا على جائزة الملك فيصل ثم حصلوا على جائزة نوبل إعداد: مركز المعلومات الدكتور جيرد بينج - ألماني منح جائزة الملك فيصل فرع العلوم الفيزياء عام 1984م منح جائزة نوبل للفيزياء عام 1986م الدكتور هنري روهرر - سويسري منح جائزة الملك فيصل فرع العلوم الفيزياء عام 1984م منح جائزة نوبل للفيزياء عام 1986م البروفيسور ك. باري شاربلس - أمريكي منح جائزة الملك فيصل فرع العلوم الكيمياء الفيزيائية عام 1995م منح جائزة نوبل للكيمياء عام 2001م البروفيسور اريك كورنل - أمريكي منح جائزة الملك فيصل للعلوم الفيزياء (فيزياء الليزر) عام 1997م منح جائزة نوبل في الفيزياء عام 2001م البروفيسور كارل وايمان - أمريكي منح جائزة الملك فيصل للعلوم الفيزياء (فيزياء الليزر) عام 1997م منح جائزة نوبل في الفيزياء عام 2001م البروفيسور ريوجي نويوري - ياباني منح جائزة الملك فيصل العالمية في العلوم الكيمياء العضوية عام 1999م منح جائزة نوبل في الكيمياء عام 2001م البروفيسور روبرت إدواردز - بريطاني منح جائزة الملك فيصل العالمية في الطب عام 1989م منح جائزة نوبل للطب عام 2010م البروفيسور أحمد حسن زويل - أمريكي منح جائزة الملك فيصل العالمية في الفيزياء عام 1989م منح جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999م البروفيسور لوك مونتانييه - فرنسي منح جائزة الملك فيصل العالمية في الطب عام 1993م منح جائزة نوبل في الطب عام 2008م