سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"التشهير".. مطالبات بتطبيقه ل"ردع المخالفين".. ولا أنظمة "تمنعه" قانونيون وقضاة ل"الوطن": يجب النظر في المصلحة الكبرى من إشهار الأسماء.. والعقوبة وحدها ليست كافية
أجمع خبراء متخصصون في الشأن القضائي على أن التشهير بالمخالفين يسهم بشكل فاعل وقوي في تراجع ممارسات المخالفات، إلا أنهم طالبوا بوضع عدد من الضوابط لتقنين العملية كأن يقتصر على اسمه الأول والأخير دون أن يلحق الجرم بقية عائلته، وذلك نظراً لعدم ورود نصوص نظامية متعلقة بعدم إشهار أسماء المدانين بقضايا تجارية أو جزائية. لا عقوبة إلا بنص وطالب أحد المختصين في حديث ل"الوطن" بضرورة تقنين التشهير باقتصار اسمه الأول والأخير دون أن يلحق بقية عائلته الجرم، فيما ذهب آخر إلى عدم ورود نصوص نظامية متعلقة بعدم إشهار أسماء المدانين بقضايا تجارية أو جزائية، وأن ما ورد بهذا الشأن يتسم بالعموم والشمول، في حين اتفق كثيرون على أن عددا من الجرائم والمخالفات ليس فيها أي نصوص شرعية أو نظامية تعطي الحق بالتشهير بعقوبة مرتكبها. وعد القاضي، وعضو مجلس الشورى الدكتور عيسى الغيث، خلال حديثه ل"الوطن" أن التشهير "عقوبة" وأن لا عقوبة إلا بنص أو حكم قضائي، مبيناً أنه إذا نص في الحكم القضائي على التشهير فإن الجهة التنفيذية تقوم بذلك، مع التأكيد على أنه لا يجوز التشهير بدون حكم، إلا إذا نص القانون على ذلك وأعطى الحق للجهة المختصة وفقاً لآليات النظام، وتابع: التشهير عقوبة ولكن لا يلزم الاكتفاء به، ويجوز إضافة عقوبات أخرى. وجزم الغيث بأن التشهير سوف يقلل من الجرائم والجنايات والجنح والمخالفات. عقوبة مقررة شرعا واتفق رأي القاضي السابق المحامي محمد الجذلاني، مع طرح القاضي عيسى الغيث، حول أن التشهير عقوبة، إلا أنه زاد بأن التشهير لا يكون إلا تبعاً لعقوبة أصلية، لأن معنى التشهير هو إعلان العقوبة المحكوم بها على المخالف، ودلل أن التشهير مقرر بموجب نص شرعي. ولفت إلى أن التشهير يكون مقرراً بموجب نصٍ نظامي، ضارباً مثلاً في التشهير بمن ارتكب جريمة تحرير شيك بدون رصيد، أو التشهير بمخالفات الغش التجاري، مفصلاً في سياق حديثه أن من بين أساليب التشهير أيضاً ما يتم الإعلان عنه دوماً من تنفيذ الأحكام القضائية بقتل أو قطع مرتكبي جرائم القتل أو الحرابة أو الإفساد أو السرقة ونحوها، وذلك بنشر إعلان من وزارة الداخلية بأسمائهم. وأشار القاضي السابق إلى أن كثيرا من الجرائم والمخالفات ليس فيها أي نصوص شرعية أو نظامية تعطي الحق بالتشهير بعقوبة مرتكبها، مبيناً أنه في تلك الحالات يمكن أن يكون التشهير بموجب الحكم القضائي إذا رأى القاضي أن من المصلحة التشهير بمرتكب الجريمة، أو يكون بموجب نظام يصدره ولي الأمر إذا رأى المصلحة في ذلك لمنع الناس من التجرؤ على بعض الجرائم إذا لوحظ انتشارها وتزايد خطرها. وزاد "الأصل هو الستر على المسلمين حتى وإن ارتكبوا معاصي أو جرائم أو مخالفات، ولكن يبقى التشهير وسيلةً شرعيةً قد تكون واجبة في حال النص الإلزام بها، أو تكون تقديرية لاجتهاد القضاء". وشدد المحامي محمد الجذلاني على أن التشهير يعد من العقوبات الموجعة لأنه يلصق دوماً بسمعة الإنسان، ويبقى وصمة عارٍ تلاحقه مستقبلاً، لافتاً إلى أنه يتعدى ضرره إلى أسرته وأقاربه، مبيناً أن الشريعة والنظام يتجهان إلى عدم الشهير، إذ إن التشهير بمثابة الوسيلة التي تخضع لاجتهاد القاضي في الأحكام القضائية، ولاجتهاد ولي الأمر في النصوص النظامية المبنية على المصالح المرسلة. معيار المصالح والمفاسد ولفت محمد الجذلاني إلى أن أهمية النظر عند الردع بالتشهير إلى مسألة المصالح والمفاسد، وطرح سؤال بوجوب المصلحة بردع الناس عن الجريمة أو المخالفة أكبر؟ أم أن مصلحة الستر على من ارتكبها أكبر؟، وهل مفسدة ترك الجريمة بدون التشهير بعقوبة مرتكبها أكبر؟ أم أن مفسدة التشهير أكبر؟، داعياً إلى ضرورة تقديم المصلحة الأكبر في حال الإجابة عن تلك التساؤلات أو تقديم المفسدة الأقل، وتابع: المشاهد والمعروف للكل أن هناك تراجعاً ملحوظاً في الجرائم التي يطبق فيها التشهير مثل جرائم الشيكات بدون رصيد. ودلل على ذلك بتصريحات أحد المسؤولين في مؤسسة النقد قبل فترة قريبة والتي أكد فيها تراجع حجم المبالغ الصادرة بشيكات دون رصيد من 14 مليار ريال عام 2009، إلى أقل من مليار ريال خلال النصف الأول من العام الجاري 2013، بنسبة تراجع تصل إلى 1400%. لا نصوص مانعة القاضي والمتحدث لديوان المظالم سابقاً الدكتور أحمد الصقيه، أوضح أنه لم ترد نصوص نظامية متعلقة بعدم إشهار أسماء المدانين بقضايا تجارية أو جزائية، بل جاءت النصوص بشكل يتسم بالعموم والشمول فيما يتعلق بنشر الأحكام المتعلقة بمن يقوم بالمخالفة، ومضى يقول: ورد في بعض الأنظمة المرتبطة بأنشطة وزارة التجارة والصناعة ما يتيح التشهير بأسماء المخالفين عند ثبوت المخالفة بعد استيفاء الإجراءات القانونية، واقترن بعضها أن يكون التشهير بموجب حكم قضائي أو قرار نهائي. أما فيما يتعلق بالقضايا الجزائية وعلى سبيل المثال قضايا الرشوة، أفاد القاضي سابقاً الصقيه أن نظام المادة (21) من مكافحة الرشوة نصت على تخويل وزارة الداخلية بنشر الأحكام التي تصدر في جرائم الرشوة وإعلانها، وهو ما يؤكد رأيه بأن الأمر غير مقيد أو ممنوع، إذ توجد عقوبات تبعية وتكميلية نص عليها النظام تتعلق بالتشهير بمرتكبي تلك الجرائم. وأبدى المحامي عدم قناعته وتأييده من أن "التشهير" عقوبة لوحدها، معللاً ذلك لعدم جدواه فهو قريب للتلاشي من حيث التطبيق، وتابع قائلاً "عقوبة التشهير يجب أن تستند إلى حكم قضائي أو قرار نهائي، وهو الذي يقضى فيه بالتشهير من عدمه، ما لم يكن هناك نص قانوني يقضي بإيقاع هذه العقوبة على المحكوم عليه، فيكون التشهير عقوبة تبعية إضافةً إلى العقوبة الأصلية". واتفق الصقيه مع ما ذهب إليه القاضي عيسى الغيث، والقاضي السابق محمد الجذلاني من أن التشهير بالجاني له أثر بالغ في نفسه ويحفز جانب الزجر له والردع لغيره، مؤكداً في ذات الوقت على أن ذلك يؤدي إلى فقدان ثقة الغير فيه، وأردف قائلاَ "التشهير في بعض القضايا والمخالفات التي تضر المصلحة العامة كالجرائم التي يعتمد فيها على الثقة بالفرد كالتزوير أو تحرير شيك بدون رصيد أو شهادة الزور أو مخالفات الغش التجاري أو العلامات التجارية أو البيانات التجارية والتي تتعلق جميعها بمصلحة عامة يوجب إعلام الجميع بها، ومعرفة الغير عن طريق عقوبة التشهير يجعله يأخذ تدابيره الاحتياطية حين التعامل مع المخالف". تراجع في مخالفات القضايا وبدا المحامي واثقا من خلال رصده بتراجع في مخالفات القضايا التي تم التشهير بها، وأبان أن التشهير أسهم في اتخاذ مثل هذه الإجراءات التي تطبق بحق مرتكبي جريمة تحرير الشيكات بدون رصيد، وذلك عن طريق التشهير بهم في خفض هذه الظاهرة، فصاحب العمل مستعد لتقديم أي ضمانة لكي يحول دون التشهير باسم شركته أو اسمه. ودلل خلال حديثه بالتقرير الإحصائي الذي صدر عن الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة)، ونُشر في العدد التاسع من مجلة الائتمان، الذي أوضح أن إجمالي عدد الشيكات المرتجعة انخفض في نهاية الربع الأول من عام 2012 بنسبة (54%) عما كانت عليه في نهاية الربع الأول من عام 2011، إذ بلغ إجمالي عدد الشيكات المرتجعة بنهاية الربع الأول من عام 2012، 10,575 شيكاً. عقوبة تعزيرية من جانبه، أبان المحامي والمستشار القانوني، وعضو الجمعية القضائية السعودية تركي الرشيد، أن التشهير هو عقوبة تعزيرية خاصة بالحاكم من قاض ونحوه وهي مطبقة قضاء ومطبقة نظاماً، وفصل في مفهوم التشهير بالقول بأنه "الإعلام بأمر الجاني وإذاعة خبره، وإفشاء جريمته بين الناس من أجل إقلاعه عنها، وردع غيره عن الإقدام على مثل فعله، وهو حق عام وجب التحذير منه والوقوع فيه". واسترجع الرشيد خلال حديثه ل"الوطن" أن مشروعية التشهير تأتي من العقوبات التعزيرية التي نصت عليها الشريعة الإسلامية، وشدد المحامي الرشيد على أن التشهير عقوبة تبعية وتحدث في القضايا العامة الجنائية، مبيناً أنه لا يجوز التشهير بدون ذنب اقترف أو بدون وجه حق وألا يتجاوز التشهير النص المحكوم به، واتفق مع حديث القاضي عيسى الغيث، والمحامي الجذلاني، والناطق بلسان ديوان المظالم سابقاً من أن التشهير يردع الناس، مدلاً على ذلك بالقول المأثور "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، وبين أن الأصل في العقوبات الجنائية الإشهار سواء كانت حدية أو تعزيرية. ولم يحدد عضو الجمعية القضائية السعودية نوعاً معينا من المخالفات التي سوف تحد من المخالفات، ولكنه أكد أنه كل ما يمس المجتمع ومصالحه ويدخل في الحقوق العامة، مقراً بأن التشهير الذي مارسه عدد من الجهات الحكومية كوزارة التجارة والصناعة حد من زيادة استمرار ارتكاب المخالفات. تقنيات حديثة وضرب الرشيد مثلاً حول ذلك بأن دولاً في أميركا الشمالية يوجد تطبيق يتم تحميله على الهواتف الذكية ومن خلال الاستفسار يحدد أسماء المجرمين وخطورتهم مع صورهم وعناوينهم مع أنهم قضوا محكوميتهم ولكن ظلوا على قائمة التشهير لفترة محددة حتى ينتبه منهم ويأخذ المجتمع حولهم الحذر، وهذا إجراء تشهير للردع والمعرفة، وبات التشهير في بعض الجرائم النوعية مهما بل قد يكون ضروريا ويكون طوق نجاة للجاهل وقليل المعرفة ليطلع من خلال الوسائل المتاحة على الأحوال المحيطة حماية للنفس والمال والعرض. ورأى المحامي الرشيد أن يقتصر التشهير على الشخص باسمه الأول والأخير ويكتفى بذلك حتى لا تتعدى إلى أهله وذويه فالناس تتأذى من ذلك، خصوصا في مجتمع اجتماعي ويعرف بعضه بعضا، فلعلها تراعي هذه المسألة بدقة وعدم ذكر الاسم الرباعي، حيث من أراد التأكد من الجهات المعنية أو المستفيدة فإن الدولة وفرت اشتراكا يستطيع المستفيد أن يستفسر عن أي شخص من خلاله مثل "سمة" و"شموس". من مقابل ذلك، أفاد القاضي، وعضو مجلس الشورى، وعضو اللجنة الأمنية الدكتور ناصر الداود، أن من وسائل التشهير الحديثة هي الإعلان في القنوات الفضائية بالصوت والصورة، أو النشر في الصحف وفي المواقع والمنتديات عبر شبكة المعلومات الرقمية "الإنترنت"، أو استخدام تقنيات البلوتوث والرسائل الإلكترونية، أو الإشاعة عن طريق المنشورات الورقية، وبث الصور المخزية. 9 أسباب وحدد القاضي الداود 9 أسباب للتشهير منها ما يعود لذاته، منها ما يعود لفعله، وما يعود لغيره، إضافة إلى خوف الانخداع به، والتعريف بقدر من هو خير منه، والترهيب من فعل أخفاه، والضغط عليه لترك معصية، وإرضاء موتور بفعله، فيما وضع الدواد مصالح التشهير في عوامل من بينها التحذير من التعامل البريء مع المشهر به، في مال، أو عمل، أو عرض، أو تمكين ضحاياه الذين تسلط عليهم بنحو شهادة زور من القدح فيه، أو اتخاذ الاحتياطات اللازمة في معاملاته، بما يضمن السلامة منه، أو ردع الآخرين وزجرهم عن مثل عمله، إضافة إلى تمكين الباحثين من دراسة أحواله، متى أصبحت ظاهرة. وحول الشروط التي تجب مع إيقاع عقوبة التشهير "عدم التوسع في تشريع التشهير، وتحديد أنواع الجرائم التي يدخلها التشهير حتى لا يتعداها إلى غيرها، وتصنيف الجرائم التي يدخلها التشهير من أول مرة أو بعد تكرارها كلٌ بحسبه، بالإضافة إلى لزوم تقييد الجهة المسؤولة بإنزال هذه العقوبة بالجهاز القضائي. وأضاف خلال سرده تلك الضوابط بضرورة اشتراط الإجماع على توقيع عقوبة التشهير من جميع القضاة في المحاكم المعنية بالحكم بالعقوبة أو بتأييده، عطفاً إلى ضرورة النص في الحكم القضائي على الحكمة من إيقاع التشهير، وتحديد نوع وقدر ومدة التشهير المحكوم به؛ بحيث لا يتجاوز به ما نص عليه في الحكم.