تبقى الروحانية واحدة من أكثر العوامل التي تدفع الصائمين للإفطار بالمسجد النبوي الشريف، وتدفع تلك النفحات الروحانية الكثيرين لمد سفرهم في المسجد النبوي دون حساب لأي تكلفة، حيث باتت تلك السفر الرمضانية عنوانا لشخصيات من داخل المدينة وخارجها حرصوا على تواصل هذه العادة وعدم قطعها. وبلغ الأمر درجة أن يواصل الأبناء سيرة الآباء في مد تلك السفر طيلة أيام شهر رمضان الكريم. ولو كنت زائرا للمسجد النبوي الشريف وصادفك شباب يلحون عليك بالدعوة فاقبلها، فهم عادة ما يبحثون عن الصائمين لتفطيرهم على سفرتهم الخاصة داخل الحرم وخارجه. ومن طرق أولئك الشباب لجذب ضيوفهم الابتسامة وحمل أمتعتك والترجي اللطيف. ومما ساعد على انتشار تلك العادات الحميدة بساحة المسجد النبوي موافقة وكالة الرئاسة العامة لشؤون الحرمين على السماح بتلك السفر. وجاء في تقرير صادر عنها أنه يتم السماح بإدخال القهوة والتمر واللبن الرائب والخبز إلى داخل الحرم، فيما تكون الوجبات بساحات المسجد النبوي وذلك بمسافة كافية عن ممرات المشاة وعزل الرجال عن النساء وتقديم نحو 70 ألف وجبة يومياً. ويقول ماجد الحربي إنه لا يمكن تعويض تلك الساعات الروحانية التي يقضيها برفقة أبنائه بالإفطار بساحات المسجد النبوي الشريف. وقال منذ 15 سنة لا أتذكر أنني تناولت الإفطار بالمنزل حيث تعودنا أنا وأسرتي أن نصلي المغرب ثم نذهب للمنزل. ويصف سلطان السلامة الإفطار بالمسجد النبوي بتواجد جميع أفراد الأسرة بأنه شعور لا يعرفه إلا من يوفق للإفطار في المسجد النبوي، حيث كل شيء روحاني من حولك ولا تسمع سوى أصوات المصلين والمكبرين. ويحرص السلامة على قطع أكثر من ألفي كيلو متر بين المدينة والجوف ذهابا وإيابا للزيارة والتشرف بالسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم والإفطار بساحة الحرم النبوي. ويتفق أبناء السلامة الستة على أن تناول إفطارهم بجوار الحرم يبقي إحساسا جيداً لايمكن أن يستطيعوا وصفه. ويؤكد سند الحربي أن الجانب الروحاني يوفر جانبا صحيا للصائم حيث إن غالبية من يتناولون الإفطار في المسجد النبوي يتوفر لهم ماء زمزم والعناية الخاصة طيلة اليوم حيث يمكن من خلال تناوله التخفيف من ضغط الطعام بالمعدة وعادة ما يكون إفطار الأسرة في تلك الساحات أكثر أمانا لهم من أي مكان آخر. ويقول محمد إنه يبحث عن الأجر في المقام الأول لذا يحرص على دعوة من يستطيع للإفطار، مشيرا إلى أن البعض يتلقى أجراً مادياً رمزياً على دعوة بعض الصائمين من قبل أصحاب السفر فيما يقول صديقه فهد إنه يحرص على جلب زائري المسجد النبوي للإفطار على السفرة المخصصة لوالده منذ سنوات طويلة فالبعض يوافق على دعوته، والكثيرون يعتذرون بشكل مهذب ونقدر لهم ذلك. وبين فهد ( 15 عاماً) أن الشباب يتوزعون حول مداخل المسجد النبوي في منافسة للحصول على شخص يتناول الإفطار بحثاً عن الأجر الكبير لقول الرسول عليه الصلاة والسلام . "منْ فطَّرَ صائماً كَانَ لهُ مِثلُ أجرِهِ غيرَ أنَّهُ لا ينقُصُ منْ أَجْرِِ الصَّائمِ شيءٌ". وفي ساحات الحرم دائما ما تستمتع بسماع التحاور الذي يحدث بين الشباب وزائري المسجد النبوي حيث تعلو الابتسامة الطرفين بين الرفض والموافقة فهناك هدف واحد هو كسب ذلك الصائم ليفطر على مائدتك داخل جنبات الحرم. وعادة ما تتكون وجبة الإفطار داخل الحرم من ماء زمزم والتمر والقهوة والشريك ولبن الزبادي أما خارج الحرم فتجد كل شيء من الأرز باللحم إلى المشروبات الغازية والفواكه وغير ذلك وتمتد السفر إلى الساحات المجاورة للمسجد النبوي الشريف. ويقول الشاب أحمد إن لكل شاب هنا طريقته في الإقناع فمنهم من يدعو لك ولأسرتك وآخر يحمل عنك أمتعتك وآخرون يرون أن الترجي اللطيف أحد الحلول وهدف الشباب واحد وهو الحصول على زائر أو مقيم يتناول الإفطار على السفرة الخاصة بهم داخل الحرم التي تتكون من القهوة والتمر والزبادي وماء زمزم . ويشير أحمد إلى أنه يشعر بمتعة حقيقية عندما يستجيب لدعوته أحد الأشخاص حيث يصطحبه لمقر السفرة ويجلسه بالمكان المتوفر ويتولى آخرون تقديم الضيافة له.ويقول الشاب تركي الحربي إنه يتذكر منذ أن كان صغيرا أنه يحضر مع والده الإفطار بالحرم وكان دوره ينحصر في البحث عن صائمين يفطرون على سفرتهم واليوم أصبح أبناؤه هم من يقومون بنفس المهمة لدعوة الصائمين للإفطار على سفرتهم وكل ذلك بحثاً عن الأجر بإذن الله. ويشير الحربي إلى أنه لاحظ قلة زوار الحرم هذا العام مقارنة بالعام الماضي ، مرجحاً أنه ربما كان لارتفاع درجات الحرارة دور في ذلك.