بدلا من اللهاث بحثا عن مركز صحي لأخذ حقنة أو علاج للتخفيف أو القضاء على الألم.. وبدلا من الوقوف على طريق غير نافذ في انتظار أي مساعدة جوية لإيصالهم لذويهم.. وبدلا من إضاءة الفوانيس أو الشموع للقضاء على عتمة ليلهم، قرر بعض أهالي تهامة قحطان الهجرة إلى المراكز والمحافظات والمدن بحثا عن الخدمات، بعيدا عن الوعود والتسويفات لإنهاء معاناتهم. يحيى جبران أبو مشبوح (100 عام).. قضاها متنقلاً في تهامة قحطان، التقت به "الوطن" صدفة في مركز صحي الغايل، وأصر على أن نزوره في منزله، وهو ما تم.. وقال "هذه تهامة قحطان بلا خدمات، لا توجد مستشفيات والطرق جلها ترابي".. ومضى يقول "أمضيت حياتي متنقلا في تهامة قحطان، والآن استقررت مع أحفادي بعد وفاة زوجتي، ومعاناتي تزداد عند مراجعة مستشفى ظهران الجنوب لبعد المسافة وطول فترة المراجعة والانتظار. والمركز الصحي في قريتنا ينقصه الكثير ليصبح مركزا صحيا حقيقيا، ولا يوجد فيه مختبر، وأنا لا أطلب شيئا لنفسي، لكن أحفادي ومن هم في سنهم هم من يحتاج إلى الخدمات". احتياجات يومية وكشفت جولة ميدانية ولقاءات شخصية أجرتها "الوطن" في تهامة قحطان عن قصور واضح في أغلب المجالات الخدمية.. وأكد كل من شيخ شمل قبائل آل حيان السري ونائب قبيلة آل مفتاح مبجر بن حيان، ونائب قبيلة آل محاج جابر سعيد ل"الوطن"، أن الوضع الراهن للخدمات أقل بكثير من المأمول، رغم الزيارات التي يقوم بها المشايخ لمسؤولي الإدارات في منطقة عسير إلا أن "الحال" لم يتغير، مشيرين إلى النية للتوجه لوضع المعاناة على طاولة فرع جمعية حقوق الإنسان بمنطقة عسير. نقص في الخدمات واستشهد آل كردم بعدد من القرى التي تفتقر للخدمات الأساسية، وهي الفائحة، البقعة، القائمة، المفجر، وقرى غرب تهامة مثل سريان وبيشة، ضموة، عمس، الخايع، اللحجة، خشم، وعنقار. فيما ذكر آل مفتاح عددا من القرى التي تحتاج إلى خدمات ما عدا التعليم مثل قرية قاعة، طريان العفارة، والرحبة، والصوح، مشيرا إلى أن مطالب أهالي تهامة لم تتحقق فلا توجد مراكز صحية في كثير من القرى، خاصة الحدودية. عزلة 300 شخص أحدث انسحاب مفاجئ، كما وصفه أهالي قرية شيبة، لإحدى الشركات المنفذة للطريق المؤدي من مركز وادي الحيا إلى قرية شيبة غرباً، قلقاً كبيرا، وخيبة أمل لدى الأهالي (يبلغ عددهم نحو 300 نسمة)، والذين استبشروا خيراً عندما بدأ العمل به، ليكون بمثابة شريان يفك عزلة قريتهم النائية ويربطهم بمركز وادي الحيا ليسهل وصولهم للمستشفيات، وأخذ متطلباتهم الحياتية اليومية. ويبين يحيى ملهوي آل الحسن أن توقف الطريق أحدث صدمة كبيرة للأهالي، قائلا "هناك انسحاب كلي للمعدات وتوقف للعمل، وهم يجهلون الأسباب غير المعروفة للرأي العام". وشدد آل الحسن على أن هذا الطريق مهم للغاية فهو يخدم قرى كثيرة مثل العوص، المفجر، الحنيّ، وشيبة وغيرها، وتتمثل المعاناة أثناء هطول الأمطار، حيث تعزل هذه القرى تماماً ولا يجدون مصدر رزق سوى بالإمداد الجوي، كما يتوقف العمل بالمدارس لأسابيع وتنقطع الدراسة، كما حدث مؤخراً، مطالباً ربط هذه القرى بشبكة طرق تسهل ربطها بالمراكز، والمحافظات المجاورة. إعادة التصميم من جهته، أكد مدير عام الطرق بعسير المهندس علي مسفر، أن مشرع الطريق المؤدي إلى قرية شيبة لم يتم سحبه، وإنما إيقافه لإعادة تصميمه، نظراً لكون هناك أجزاء منه في الوادي، وإعادة الطريق إلى أماكن أكثر أماناً من سابقتها، ويشير إلى أن هناك مشاريع طرق كثيرة لتهامة قحطان. وأضاف: هناك قرى لها تضاريس معقدةً جدا وعوامل طبيعية وبشرية تعيق العمل وتجبرنا على إعادة التصاميم أحياناً، وهناك مضاعفة للاهتمام في شبكات الطرق في مراكز وقرى تهامة قحطان وفق الإمكانات المتاحة. العناية بالتعليم إلى ذلك، قال شيخ شمل قبائل آل مقبول طالع جابر آل تليد، إن التعليم في المناطق التهامية يحتاج "عناية خاصة"، مطالباً بتعيين مديرين للمدارس في المراكز الحدودية يمتلكون القدرة والكفاءة الإدارية، قائلاً "المناطق التهامية النائية الحدودية ليس كغيرها، فهي بحاجة لمتابعة مستمرة من قبل إدارة التربية والتعليم وحوافز لتوطين التعليم، لضمان بقاء المعلمين، لعدم وجود بيئة ملائمة لسكنهم تحد من كثرة طلبات النقل، إضافة لأهمية متابعة مكتب التربية والتعليم بالفرشة لسير المدارس لضمان الجودة، وتكثيف البرامج التعليمية والتوعوية في شتى الجوانب التربوية والتعليمية التي من شأنها تنمية بشر هذه الأماكن النائية". المواطن ماطر زارب مفرح، من سكان قرية الفائجة طالب باستحداث مدرسة بنات، وإكمال مشروع مبنى مدرسة النعمان بن مقرن بنين المتعثر، مطالبا مدير مكتب التربية بالفرشة بمتابعة وضع المدرسة. ووعد مدير تعليم سراة عبيدة الدكتور هشام الوابل في حديثه ل"الوطن"، بالمتابعة المستمرة لمدارس تهامة قحطان وربوعة آل تليد، وتوفير ما يستطيع في ظل الصلاحيات، والإمكانات المتاحة، وقال "لا نستطيع التغيير في يوم وليلة، بل بالتدرج المدروس، لكن سترون في هذه القرى ما يسركم". وعود 20 عاما من جهته، قال شيخ قبيلة آل محاج جابر بن سعيد: نحن نطالب منذ 20 عاما بالخدمات الصحية، ولم نحصل إلا على مواعيد غير جادة، ومضى يقول "الحصول على الخدمات الصحية في تهامة قحطان صعب وشاق"، مضيفا "المرضى يسلكون طرقا وعرة ويقطعون مسافات طويلة عبر عقبات جبلية للوصول لأقرب نقطة لهم، وهي مستشفى ظهران الجنوب، أو سراة عبيدة للحصول على العناية الصحية". ويتفق مع آل محاج، مبجر سعيد آل مفتاح، الذي قال: "أهالي قريتي المسنى والقاعة، بحاجة لخدمات صحية ولا توجد في قراهم مراكز صحية". ولفت المواطن علي محمد صالح، من سكان البقعة، إلى أن المركز الصحي وجوده مثل عدمه، حيث له نحو 7 سنوات بدون سيارة إسعاف ولا كادر طبي سوى طبيب يحضر بعض أيام الأسبوع رغم الحاجة الماسة لوجوده اليومي، واصفا الخدمات الصحية في تهامة قحطان بالسيئة. وطالب فرحان محمد بزيارة مدير الشؤون الصحية بعسير لتهامة قحطان والوقوف على معاناة الأهالي للحد من هجرتهم. خدمات غائبة ولم تكن الخدمات البلدية للمراكز والقرى بتهامة قحطان بأحسن حالاً من الصحية، فالمراكز تفتقد الخدمات البلدية، خاصة إهمال تعبيد وسفلتة الطرق، وإنشاء العبارات والكباري الخاصة بالأودية والشعاب لتساعدهم وقت موسم الأمطار. وفي هذا الشأن يؤكد المواطنان من سكان قرية الفائجة راعي جابر آل عافية، ومفرح حسن آل ثواب، أنهم يعانون الأمرين في رغبتهم التنقل وقضاء احتياجاتهم وفي سلك تلك الطرق المهملة التي أنهكتهم وآلمتهم، بل إن الأمر تعدى إلى أنهم يعيشون حالة من العزلة بينهم وبين ذويهم في حال هطول الأمطار، حيث تغلق السيول الطرق وتمكث المياه بالأشهر في تلك الأودية، مما يحول دون عبورها والوصول إلى ذويهم أو الحصول على لقمة العيش. وتطرق المواطنان إلى أن هناك غابات وأشجارا طبيعية بحاجة إلى الاهتمام والحماية والترتيب لها لكي تكون داعماً للطبيعة والسياحة، مطالبين بلدية الفرشة بسرعة عمل عبارات وسفلتة قرية الفائجة ووادي ذبح. كما شكا راعي ناصر، من سكان قرية طريان بالغايل، من إهمال كهرباء ظهران الجنوب لمطالبه، بقوله "اقتلعت السيول عمود كهرباء منذ شهرين، ورغم إبلاغهم إلا أنه ما زال مجروفا أمام منزلي". وبين المواطن صالح حامد من سكان قرية الشقب أنهم يعيشون في ظلام دامس، مستعينين بالإضاءة التقليدية والشموع، كونهم محرومين من خدمة الكهرباء رغم المطالبات.