هل حقيقة هي حرب مقدسة؟ وهل صحيح أن أبناءنا يموتون شهداء بدفاعهم عن مرقد السيدة زينب؟ ما هو مصير فلذات أكبادنا الذين ذهبوا إلى القتال في سورية وانقطعت أخبارهم عنا؟ كيف سيتم إطلاق سراح من وقعوا منهم في الأسر؟ أسئلة كثيرة تدور في أذهان العديد من الأسر اللبنانية التي غرر بأبنائها بعد أن أخضعوا إلى غسيل دماغ مكثف أقنعهم بالسفر إلى سورية والقتال إلى جانب قوات الأسد. وتواردت أخبار مؤكدة أثبتت تساقط القتلى وسط صفوف الشباب الذين غرر بهم حزب الله، ولم تنفع محاولات الحزب الطائفي لنفي تلك الأنباء، إذ ظل ينكر وقوع القتلى بأعداد كبيرة، ويجتهد للتغطية على الأخبار التي توضح العدد الحقيقي لخسائره، ويضطر بين كل فترة وأخرى للإعلان عن عدد قليل منها. وسعياً وراء الحقيقة، قامت وسائل إعلامية بتقصي الأمر، وكانت المفاجأة عندما أعلن موقع "كلنا شركاء" في أكتوبر الماضي أنه تمكن من توثيق مقتل أكثر من ألف قتيل وسط صفوف الحزب المذهبي، من بينهم قادة ميدانيون بارزون، وقام بنشر أسمائهم وصورهم، مشيراً إلى أن هذا ليس هو العدد الحقيقي للقتلى، وأنه بصدد مواصلة التقصي. وعندها أسقط في يد قادة حزب الله، واعترفوا بصحة ما ذكره الموقع. وكذلك أشارت معلومات مؤكدة إلى وقوع العشرات من عناصر حزب الله أسرى في أيدي مقاتلي الجيش السوري الحر وبقية فصائل المعارضة السورية في العاصمة دمشق، وفي جبهة القلمون، حيث سرت أنباء عن رغبة الحزب الطائفي في مفاوضة الثوار للاتفاق على إطلاق سراح أسراه. ليست نزهة هذا الواقع سبب صدمة قوية لقيادة الحزب المذهبي، الذين تصوروا في البداية أن القتال في سورية لن يعدو كونه نزهة قصيرة، وأنهم سيحققون انتصاراً سريعاً في الحرب، ومن ثم يعودون إلى بلادهم، إلا أن الواقع كان مغايراً لما حملوه في أذهانهم. ونتيجة لذلك بدأت الأصوات التي كانت في البداية خافتة في الارتفاع، رافضة هذا التدخل، ومنادية بسحب المقاتلين اللبنانيين، وانضم إليها عدد من مراجع المذهب الشيعي، الذين عارضوا توجه زعيم الحزب حسن نصر الله ومجاهرته بالقتال إلى جانب الأسد، مشيرين إلى أن هذا الموقف أفقد الحزب التعاطف حتى من أبناء طائفته، وأخذت تلك الأصوات الرافضة للتدخل في سورية ترتفع يوماً بعد يوم حتى بات البعض يتحدث عن إمكانية اندلاع ثورة وشيكة داخل الحزب على قيادته. خلافات قديمة بداية يقول الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري المعارض عبد الباسط سيدا إنه كلما تساقط عدد أكبر من قتلى حزب الله في سورية كلما كان ذلك عامل ضغط على الحزب لسحب مقاتليه، مشيراً إلى أن دخول حزب الله إلى سورية وانخراطه في القتال إلى جانب النظام واجه معارضة قوية منذ البداية. وقال سيدا في تصريحات إلى "الوطن": تزايد أعداد قتلى الحزب في سورية، ومصرع الذين يقاتلون الشعب السوري إلى جانب نظام الاستبداد والإفساد، سيؤدي من دون شك إلى اتساع رقعة الخلافات وتعمقها ضمن الحزب المذكور، خاصة إذا علمنا أن مثل هذه الخلافات كانت موجودة قبل دخول حزب الله ميدانياً إلى سورية، وذلك بفعل عدم التوافق حول الموقف الذي ينبغي اتخاذه من ثورة الشعب السوري. وسيخسر حزب الله الكثير في سورية من جهة مقتل أعضائه أو أسرهم، إذا ما استمر في موقفه العدائي للشعب السوري؛ هذا الموقف الذي لا يخدم أحداً سوى النظام. وهو بالفعل قد خسر الكثير، وسيخسر أكثر لبنانياً وسورياً وعلى الصعيدين العربي والإسلامي، وحتى ضمن الطائفة الشيعية؛ إذا ما واصل موقفه الراهن غير المسوّغ بأي شكل من الأشكال. فقدان الإرادة ويكشف سيدا أنهم في المعارضة السورية طلبوا كثيراً من قادة الحزب المذهبي عدم الانجرار إلى المستنقع السوري، وأن يظلوا على حياد، حتى لا يكسبوا عداء الشعب السوري في حربه العادلة ضد نظامه الظالم. وأضاف: وجهنا من ناحيتنا أكثر من مرة رسائل إلى حزب الله، وقيادته تحديداً، طالبنا فيها أن يستعد الحزب لمرحلة ما بعد الأسد. وأن من مصلحته أن يستجيب لدعوة الرئيس اللبناني (ميشال سليمان)؛ ويدخل في حوار وطني لبناني، ويتحوّل إلى جزء طبيعي فاعل من الدولة والمجتمع اللبنانيين، فذلك من مصلحة الجميع. من مصلحة لبنان وسورية، من مصلحة الشيعة والسنة في لبنان والمنطقة، ولصالح مستقبل العلاقات بين الشعبين، ومن مصلحة الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها. كما دعونا مراراً إلى عدم الانسياق وراء الدعوات المذهبية المضللة. ولكن السؤال هو: هل قيادة حزب الله قادرة على اتخاذ القرار الحر برغبتها وإرادتها، لاسيما وأن حسن نصر الله أعلن بوضوح وعلى الملأ أنه يفتخر بكونه جنديا من جنود ولاية الفقيه في إيران؟". ووجه سيدا اتهاماً صريحاً للحزب وزعيمه بأنهم لا يملكون من أمرهم شيئاً، بل يأتمرون بأوامر إيران، قائلاً "لم يعد سراً أن إيران هي التي تتحكّم بقرار حزب الله، وبقرار النظام السوري؛ وهي التي أوصلت الوضع إلى ما هو عليه راهناً بفعل اعتمادها نهج المزج بين المذهبي والسياسي، وذلك من أجل بلوغ أهداف تنسجم مع مصالحها. ونعتقد أن إعادة طهران النظر في سياستها تجاه لبنان وسورية هو أمر يتوقف على مدى شعور النظام الإيراني بجدية المجتمع الدولي في التعامل الحازم معه. وتيقّن النظام المذكور من أن الإرادة الدولية ستضع حداً لمشاريعه التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، وربما العالم بأسره. ضعف المرجعيات وعن إمكانية أن تفرض المرجعيات الشيعية المعتدلة على حزب الله أن ينسحب من سورية، يرى سيدا أن ذلك غير مرجَّح في الوقت الحالي، مشيراً إلى أساليب القمع والتخويف التي يتبعها أنصار المشروع الإيراني تجاه معارضيهم. ويقول: المرجعيات الشيعية المعتدلة لا تستطيع بمفردها مواجهة مشروع حزب الله المدعوم من إيران. هذا المشروع الذي يستخدم كل الأساليب الوحشية، بما فيها التصفية الجسدية، من أجل إرغام الخصوم والمنتقدين على السكوت. هناك مرجعيات شيعية هامة تؤمن بالمشروع الوطني اللبناني أو العراقي؛ ولكنها مغلوب على أمرها حالياً. وربما تتمكن في نهاية المطاف من إثبات صحة وجهة نظرها، وممارسة دورها، وذلك بعد إفلاس مشروع حزب الله وغيره من المشاريع المماثلة الخاصة بأصحاب عقلية العسكرتاريا. حزب مارق من جهته، يوجه عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني ملهم الدروبي انتقاداً لاذعاً لحزب الله وقيادته، قائلاً إنه حزب إرهابي، داعياً الحكومة اللبنانية إلى القيام بواجباتها وإرغام الحزب المذهبي على الانسحاب من سورية والتزام سياسة لبنان الداعية إلى عدم التدخل فيها. وأضاف في تصريحات إلى "الوطن": حزب الله هو حزب مارق على الدولة اللبنانية، وهو حزب إرهابي حسب التعريف الدولي للإرهاب، وهو في حكم الغزاة المستعمرين بالنسبة للشعب السوري، وعلى ذلك فالشعب السوري سيقاومه ويطرده من سورية، ولا أستبعد أن ينقل الجيش السوري الحر المعركة لمعاقل حزب الله في أراضيه، ومن ثم على الشعب اللبناني والدولة اللبنانية أن تكبح جماحه، وعلى المجتمع الدولي التعامل معه على أنه تنظيم إرهابي وقوة مستعمرة، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران الدولة الداعمة والمتحكمة به وبقراراته". غسل الدماغ ويؤكد الدروبي أن مقاتلي الحزب الذين انخرطوا في الأزمة السورية وقاتلوا إلى جانب نظام الأسد هم من المغرر بهم، والذين تعرضوا إلى خدعة كبيرة. ويقول: مقاتلو حزب الله تعرضوا لغسيل دماغ طائفي غيبهم عن الإنسانية، رغم كل هذا فنحن نسأل الله أن يعيدهم لرشدهم ليميزوا بين الحق والباطل ويمتنعوا عن الانصياع للأوامر الباطلة والظالمة التي يتلقونها من قيادتهم. وعما تردد عن سعي الحزب لعقد صفقة مع الجيش الحر لإطلاق سراح أسراه واستعادة جثث قتلاه وإمكانية أن يستغل الثوار هذه الورقة لإرغام الحزب على سحب بقية جنوده، يرى الدروبي إمكانية ذلك، وأضاف "أعتقد أن الجيش السوري الحر لا يمانع في عقد مثل هذه الصفقة، وهي في مصلحة حزب الله وعائلات جنوده". ويمضي الدروبي في انتقاداته للحزب الذي تحول بين ليلة وضحاها من ادعاءاته التي ظل يكررها لسنوات طويلة، عن تسخير كافة إمكاناته للوقوف بوجه العدو الإسرائيلي والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعم ما يسميه "محور المقاومة والممانعة"، إلى التدخل في أزمة داخلية، ومناصرة نظام بشار الأسد الظالم ضد شعبه المظلوم. وتابع "لقد انخدع كثيرون بحزب الله، ومن إيجابيات الثورة السورية أنها عرت حسن نصر الله وأظهرته على حقيقته بخلاف ما كان يدعيه، مما أعاده لحجمه الحقيقي في أعين المسلمين. أما ما كانوا يدعونه عن "محور الممانعة والمقاومة"، فهو أكذوبة كبرى لابتزاز الشعوب وخداعها. وظهر جلياً أن حزب الله ما هو إلا أداة بيد طهران وورقة تلعب بها كيفما تشاء. لكن طهران هي سيدة المماطلة والمراوغة في تاريخ البشرية". تدخل مبكر بدوره، يؤكد مدير برنامج مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن ماثيو ليفيت، أن حزب الله لم ينخرط مؤخراً في القتال إلى جانب النظام السوري كما يظن الكثيرون، مشيراً إلى أن تورطه في الأزمة بدأ منذ بداياتها. ويقول "لقد بدأت الأنباء الخاصة بذلك الأمر تتسرب حتى من المصادر التابعة لحزب الله نفسه. ففي مطلع أكتوبر 2012، لقي القيادي الكبير في الحزب علي حسين ناصيف مصرعه في سورية مع اثنين من حراسه الشخصيين أثناء قيامه بتنفيذ بعض المهام الموكلة إليه من نظام بشار الأسد. إلا أن ذلك الحزب أدمن الكذب والمراوغة، فلجأ إلى نفي مقتل ناصيف في دمشق، رغم أن مسؤوله للعلاقات الإعلامية إبراهيم الموسوي أكد ذلك. وقبل ذلك بشهور وردت تقارير مفادها أن برلمانيين من الحزب شاركوا في جنازة القائد العسكري موسى علي شحيمي الذي كان أيضاً قد لقي مصرعه في سورية. ظهور الحقائق ويمضي ليفيت في تأكيد وجهة نظره التي تشير إلى تورط الحزب في الأزمة السورية منذ اندلاعها، ويقول: في أكتوبر من نفس العام أخبر المسؤولون الأميركيون مجلس الأمن الدولي بأن الحقيقة واضحة جلية، فقد أصبح مقاتلو نصر الله الآن جزءاً لا يتجزأ من أدوات القتل التي يستخدمها الأسد. كما أثبت تقرير صادر عن الأممالمتحدة بعد ذلك بشهرين أن أعضاء من حزب الله كانوا يقاتلون في سورية نيابة عن حكومة الأسد. ووصل الأمر بالحزب أن أقام معسكرات تدريب بجوار مستودعات الأسلحة الكيماوية السورية في نوفمبر 2012. ووفقاً لأحد كبار المسؤولين الأميركيين، فإن المخاوف من سقوط تلك الأسلحة في الأيدي الخطأ هي أكثر ما بات يشغل إدارة الرئيس باراك أوباما. وتابع: مع توالي الأدلة على تورط حزب الله في سورية، لم يجد نصر الله بداً من الاعتراف بذلك، وبلغت به الجرأة أن قام في الخامس والعشرين من مايو 2013م بما يرقى إلى إعلان الحرب ضد الثورة السورية. حيث تعهد بقيام جماعته بدحر الثورة والإبقاء على نظام بشار الأسد، معلناً أن سورية "هي ظهر المقاومة وسندها، والمقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي وتسمح بكسر عمودها الفقري". نصرة الظالم وختم ليفيت حديثه قائلاً: اليوم يدافع نصر الله بضراوة عن نظام الأسد بشكل لم يسبق له مثيل. ولم يوجه أسلحة المقاومة التي لديه نحو إسرائيل، بل نحو رفقائه المسلمين. ونصره للظالم على حساب المظلوم، وهو ما أصبح يمثل تهديداً لموقف حزبه كحزب سياسي لبناني وحركة اجتماعية على نحو يتجاوز التهديدات السابقة التي مثلتها إدانة الأممالمتحدة لأربعة من أعضائه باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وفضح عملياته في مناطق مثل أذربيجان وقبرص والهند وبلغاريا وتايلاند وتركيا. وسيكون الأمر بيد الشعبين اللبناني والسوري للرد بشكل مناسب إن كانا يريدان الديمقراطية بحق. ضغوط مكثفة وفي ذات السياق، يرى النائب اللبناني أمين وهبي أن الحزب الطائفي يتعرض لأقسى أنواع الضغوط التي عرفها منذ إنشائه، ويقول "الخسائر البشرية التي يتكبدها الحزب في سورية يمكن أن تشكل ورقة ضغط عليه، ولن تجدي كل الوسائل والأساليب التي يتبعها في تخفيف هذا الضغط، مع أنه يتبع سياسة مبالغ فيها باحتضان أهل الذين يدفعون حياتهم في سورية. حيث يقوم بدفع رواتب شهرية لأسر أولئك الشباب". وأضاف: "رغم هذه الجهود الكبيرة التي يبذلها الحزب، والتكلفة المادية الضخمة، إلا أنها لن تجدي على المدى الطويل، وإذا كانت الآلة الإعلامية والعاطفة العقائدية والقدرة على الاحتضان تخفف من ردود الفعل القوية والمؤثرة بصورة موقتة، إلا أنه إذا استمرت معدلات الخسائر على هذا النهج فمن المؤكد أن الثورة وسط قواعد الحزب قادمة، وستطيح حتماً بقيادته. وإن كنا نتمنى أن يقتنع الحزب بسحب مقاتليه من سورية، دون حدوث هذا السيناريو. ففي النهاية هؤلاء الشباب لبنانيون، ولديهم أسر تحتاج إليهم. لذلك نتمنى أن يخرجوا من هذه الحرب التي لا دخل لهم بها، وأن لا يقدموا حياتهم قرابين على مذبح النظام السوري". مصالح عليا أما رئيس تكتل "القرار الحر" النائب ميشال فرعون فيرمي باللوم على عاتق قيادة الحزب قائلاً "للأسف فإن ما كان يسمى بالمقاومة لم يعد كذلك، فهناك تحطيم للقرار 1701 وهناك استخدام للسلاح في الداخل العربي، وهذا أمر غير مقبول، ولا يجوز للبنانيين الموت في معارك داخل سورية وضد شعبها، لاسيما أن كل ذلك يحدث لصالح حسابات إيرانية بحتة". ويطالب فرعون "بضرورة إيجاد وسائل ضغط معنوي على حزب الله لسحب قواته من سورية، نظراً لما قد يسببه ذلك من مخاطر على مصير الحوار اللبناني والاستحقاق الرئاسي، وفي الحوار لا بد من الحديث مع "حزب الله" بصراحة فهو اخترق حرمة المقدسات الوطنية وفتح البلاد على مخاطر حقيقية. ويمكن أن يتم ذلك عبر حديث أكثر وضوحاً على لسان المرجعيات الشيعية. وإن كنت على قناعة بأن التأثير الأكبر في قرارات حزب الله يأتي من إيران".