القاهرة - مكتب الجزيرة - طه محمد - فتحي أبو الحمد - علي البلهاسي: شيئًا فشيئًا بدأ الوجه الآخر لإيران وحزب الله اللبناني في الظهور على حقيقته، وساهمت ممارساتهما على الأرض بقوة في انهيار الصُّورة التي حاولا خلال سنوات عديدة تصديرها للعالم العربي والإسلامي بأنهما يمثّلان مشروع المقاومة ضد أعداء الأمة وعلى رأسهم الصهاينة والاحتلال الإسرائيلي، ولعل هذا ما كشفت عنه الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها حزب الله بقيادة حسن نصر الله وبدعم إيراني ضد الشعب السوري في إطار مساندتهما لحليفهما بشار الأسد. ومؤخرًا قُوبل موقف الشيخ يوسف القرضاوي رئيس رابطة اتحاد علماء المسلمين تجاه حزب الله اللبناني وأمينه العام حسن نصر الله بترحيب وإشادة من جانب العديد من القوى والتيَّارات الإسلامية في مصر، وأكَّد علماء دين وقياديون بارزون في هذه القوى والتيَّارات أن تراجع الدكتور القرضاوي عن موقفه السابق تجاه حزب الله وحسن نصر الله ووصفه لهما مؤخرًا بأنهما «نصر الطاغوت» و»حزب الشيطان»، بأنَّه عودة للحق، ويؤكِّد توحد مواقف وآراء العلماء الكبار من أهل السنّة تجاه الجرائم البشعة التي يرتكبها حزب الله وبشار الأسد حاليًا ضد أبرياء الشعب السوري. حسن نصر الله رجلٌ مريضٌ الموقف الجديد للقرضاوي من حسن نصر الله جاء بعد مواقف واضحة من علماء المملكة، وكذلك الأزهر الشريف، حيث استنكر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، «التدخل الأجنبي الطائفي في سوريا»، في إشارة إلى تورط «حزب الله» الشيعي اللبناني في القتال جانب القوات النظاميَّة دعمًا لنظام بشار الأسد الموالي لإيران في المواجهات الدائرة ببلدة القصير. وقال الطيب في بيان أصدره: إنّه يتابع «بقلق بالغ الأحداث الدامية التي تمرُّ بها سوريا الشقيقة، ويعرب عن أسفه الشَّديد لاستمرار تردّي الأوضاع المأساوية للشعب السوري، وأعرب عن إدانته الشَّديدة لاستمرار سفك الدِّماء البريئة، ومحاصرة المدن وتدمير الإِنسان والبنيان، وانتهاك حقوق المدنيين، والخرق الصارخ للقانون الدولي. واستنكر شيخ الأزهر بشدة التَّدخُّل الخارجي بِكلِّ أشكاله وما يُؤدِّي إليه من فتنة مذهبية وطائفية تُهدِّد المنطقة كلّّها». موقف الدكتور الطيب ليس موقفًا جديدًا على مشيخة الأزهر الشريف تجاه حسن نصر وحزب الله، فقد سبق أن أعلن شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي موقفًا كان مفاجئًا للجميع تجاه العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006م، حيث ألقى بالمسئولية الكاملة في حصار لبنان وقصفه والتنكيل بأهله على «حزب الله» بعد أن اتهمه بالقيام بمغامرات لا تخدم المصالح العربيَّة، مشيرًا إلى أن المنطقة العربيَّة لا تتحمَّل مقامرين، وعدّ ما فعله «حزب الله» مغامرة غير محسوبة دفع ثمنها الشعب اللبناني. وقد أثار كلام طنطاوي وقتها جدلاً واسعًا في أوساط مشايخ وأساتذة جامعة الأزهر، خصوصًا أنّه وصف حسن نصر الله بأنَّه رجل مريض بجنون العظمة يريد أن يظهر أمام الشارع الإسلامي والعربي بأنّه صلاح الدين الأيوبي الذي سيحرر الأمة من نير الاحتلال لكنَّه فشل وأدخل لبنان في عش الدبابير، على حدِّ تعبيره. يد لضرب أهل السنّة في سوريا ولم ينفصل رأي علماء الأزهر بشأن حزب الله وحسن نصر الله عمَّا قاله علماء المملكة والقرضاوي وطنطاوي والطيب، فقد أكَّد العديد من علماء الأزهر أن ما قاله القرضاوي في حقِّ زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، بأنَّه «رئيس حزب الشَّيطان ونصر للطاغوت»، قولٌ حقٌ وصحيحٌ، مُوكِّدين أنهَّم أيضًا خدعوا في نصر الله مثلما خدع فيه الشيخ القرضاوي. ولفتوا إلى أن الشُّعوب العربيَّة والإسلاميَّة كانت تنتظر من نصر الله أن يكون زعيمًا للأمَّة ليلتفوا حوله بعد خطاباته المُتعدِّدة التي كان يردد فيها بأنَّه نصير الحق والمظلوم ضد كل ظالم، لدرجة أن المصريين أطلقوا عليه صلاح الدين الأيوبي، لكنهم فوجئوا به مؤخرًا يمثِّل اليد التي تضرب أهل السنَّة في سوريا، بدلاً من أن يكون اليد التي تضرب بطش بشار الأسد وإسرائيل. وأكَّد علماء بالأزهر الشريف أن ما حدث من مناصرة حزب الله لنظام بشار الأسد سوف يحول سوريا إلى حرب مذهبية، لأن مذهب حزب الله طائفي أنصاره أخذوا على أكتافهم الحمل ليصدروا الثورة الخمينية إلى البلاد الإسلامية السنية، وبالتالي هم يريدون القضاء على مذهب أهل السنَّة والجماعة. وأضافوا أن مناصرة هؤلاء المنحرفين تُعدُّ مروقًا من الدين وخروجًا عليه، فلا يجوز لمسلم كائنًا من كان أن ينضم إلى مناصرتهم ولا عقائدهم ولا الوقوف إلى جوارهم سواء عسكريًّا أو اجتماعيًّا، لأن هؤلاء أخطر على الإسلام الآن من اليهود. خدعة الإيرانيين وحزب الله من جانبها انحازت الدعوة السلفية في مصر لرأي كبار علماء المسلمين تجاه حزب الله وحسن نصر الله، ووجّه عبد المنعم الشحات المتحدث الإعلامي باسم الدعوة السلفية في مصر التحيَّة للشيخ القرضاوي الذي لم تأخذه العزَّة بالإثم، واعترف بأن الإيرانيين وحزب الله كانوا يخدعونه، وتبرأ إلى الله منهم ومن أفعالهم، ودعا الشباب المسلم في كلِّ مكان ممَّن يحسن القتال أن ينضم إلى إخوانه المجاهدين في سوريا، وتتعالى الأصوات في أوساط الدعوة السلفية التي تطالب بإرسال المقاتلين للجهاد في سوريا، مُوكِّدين أنَّه لا بُدَّ من الدفاع عن أهل السنّة هناك من الخطر النصيري الذي يواجهونه من قبل النظام والدول الداعمة له. وحتى القيادات الجهادية لم يختلف رأيها حول هذا الأمر مع الآراء السابقة، ودعت إلى شن معارك داخل البلدان والجهات الداعمة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، في إشارة إلى إيران وحزب الله اللبناني. وجاء ذلك في بيان وقع عليه عددٌ من قيادات الحركات الجهادية بمصر. وجاء البيان ردًّا على خطاب حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني، أقرّ خلاله بخوض عناصر الحزب قتالاً في سوريا، إلى جانب نظام بشار الأسد. واتهم البيان حزب الله وإيران بأنَّهم دخلوا هذه الحرب ليس بهدف دعم الطائفة النصيرية العلوية باعتبارها جزءًا منهم، ولكن لأمرين هما: تقسيم المنطقة إلى دويلات تتبع في عمومها إيران وجنوب لبنان، والحقد الدفين على أهل السنّة. وشدَّد البيان على أن كل من يدعم بشار في القصير يتعيّن قتالهم «لأنهم من العدو الصائل الذي لا يندفع إلا بالقتل». حزب الشيطان الإيراني من جانبه قال ممدوح إسماعيل، البرلماني المصري السابق والمحامي بالحركة السلفية: إن حزب الله يلعب على المكشوف ويحارب الشعب السوري علانية، بعدما أعلنوا لبنان ولاية إيرانية بالرغم من أنَّف الجميع. وقال إسماعيل: إنَّ دولاً كثيرة نددت بتدخل حزب الشَّيطان في سوريا وعلى رأسهم تركيا إلا مصر التي لا زال موقفها السياسي مخدرًا. وأضاف أنَّه «كان أولى بمصر أن ترفع صوتها مندّدة بتدخل حزب الشَّيطان اللبناني الإيراني في سوريا، مشددًا على أن ما يحدث في القصير من تدخل شيعي فضح طائفيتهم وعدائهم للسنَّة وأسقط كل أوراق التوت عن المقاومة التي اتضح أنَّها مقاومة أهل السنَّة، وأن حزب الشَّيطان عملاء للصهيونية في المنطقة العربيَّة. وجدد إسماعيل تحذيره من خطورة المخطط الإيراني لنشر التشيع في مصر، مشيرًا إلى أنَّها سبق أن نفذت مثل هذا المخطط في عدَّة دول منها العراق والآن تنفذه في سوريا. وقال: «نحن على ثقة بأن النظام الحاكم في مصر والأحزاب سنيان وكل شعب مصر كذلك، ولن نسمح للشيعة بالوجود في مصر وأبلغنا الرئيس مرسي بذلك، ونثق في إيماننا بسنية الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لكننا لا نقبل في الوقت نفسه فتح العلاقات والتطبيع مع إيران». المملكة ودعم أهل السنّة والجماعة وأكَّد إسماعيل أن مواقف علماء المملكة الداعمة لعقيد أهل السنّة والجماعة معروفة منذ البعثة النبوية، «وكانت تحرُّكات الإمام محمد بن عبد الوهاب صوب هذا القصد في تحرير شبه الجزيرة من أيّ عقيدة تخالف عقيدة التوحيد، وهي المواقف والعقيدة التي ظلَّ عليها علماء السعوديَّة، فلم يعرف يومًا أن علماء المملكة داهنوا هذا النظام القائم في إيران، أو أساليب وممارسات حزب الله التي ينفذها، تحت شعارات ودعوات تحرير القدس والقضية الفلسطينيَّة، وتحقيق المقاومة للكيان الصهيوني». وأضاف أن اعتراف العلامة الدكتور القرضاوي بنضج علماء السعوديَّة في التحذير من خطورة المذهب الصفوي يعكس صدق العلماء مع الله سبحانه وتعالى، وأن الاعتراف بالحقِّ خير وأحبَّ إلى الله من أيّ أمر آخر، ودائمًا يعرف الرِّجال بالحق، وليس العكس، ويوم أن يعود الشيخ القرضاوي إلى هذا الحق، فإنَّ هذا يزيده ولا ينقص منه، فالاعتراف بالخطأ فضيلة، فما بالنا إذا كان الأمر مرتبطًا بعقيدة. مواقف علماء المملكة ثابتة ومن جانبه، أكَّد القيادي بحزب النُّور السلفي، صلاح عبد المعبود، أن موقف حديث الدكتور يوسف القرضاوي عن علماء السعوديَّة بأنَّهم كانوا أنضج منه في موقفهم من الإيرانيين وحزب الله لعدم نشرهم للمذهب الصفوي يعد من الرجوع الصائب والعودة إلى الحق، «فحقيقة علماء السعوديَّة لم تَتَغيّر مواقفهم، فهي دائمًا ثابتة على الحقِّ، مدافعة عنه». وقال عبد المعبود: إن حزبه كثيرًا ما حذّر من خطورة الأطماع الإيرانية ولا نزال نحذّر منها، وخصوصًا بعد التقارب المصري الإيراني الذي لا ينبغي أن يكون على حساب عقيدة أهل السنّة والجماعة، «فمن الضروري الحذر من خطورة المخطط الإيراني في نشر المذهب الصفوي». لافتًا إلى أن كل الشِّعارات التي يتذرّعون بها لدعم القضية الفلسطينيَّة تسقط حاليًا بدعم الصفويين سواء كانوا في إيران أو حزب الله للنظام السوري القاتل، «وما أحداث القصير عنَّا ببعيد». اتضاح الحقائق أما الدكتور رشدي سعيد أبو زيد رئيس قسم الدِّراسات الإسلامية بجامعة حلوان فأكَّد أن اعتذار الشيخ القرضاوي لعلماء المملكة هو رجوع للحقِّ والصَّوَاب من شيخ جليل، وتأكيد على اتضاح الحقائق حول إيران وحزب الله لدى علماء الأمة وشعوبها، فقد كان من المنتظر بدلاً من أن يشارك حزب الله والإيرانيون في جرائم بشار الأسد ضد شعبه أن يردوه عن ظلمه عملاً بقول الرَّسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا...». وأوضح أن الأمة الإسلامية أصبحت في أمس الحاجة إلى وقف القتال والعنف والجلوس للحوار مع بعضها البعض، لأن ما يحاك ويخطط ضد الأمة خطير ويقوم على استمرار القتال في العراق وسوريا، وأن يظل الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين قائمًا في مصر وتونس. وأشاد الدكتور رشدي سعيد بموقف المملكة وعلمائها الأجلاء في نصرة أهل السنَّة والجماعة ودعم المسلمين وقضاياهم في كلِّ مكان، وتقديم الآراء الوسطية التي لم تنحاز إلى أيّ طاغية، مؤكِّدًا أن المملكة معروفة بمواقفها المشرفة ومساندتها دائمًا للشعوب الإسلامية المستضعفة. نعول على الدور السعودي فيما أشار العالم الأزهري الشيخ حميد عبد الدايم إلى أن تراجع الشيخ القرضاوي عن دعمه لحسن نصر الله ووصفه بالطاغوت إنما رجوع إلى جادة الصَّوَاب من عالم جليل بقدر القرضاوي، موضحًا أن ما يحدث في سوريا قتل للأبرياء من دون ذنب ويجب على كلّ العلماء وقادة الدول الوقوف في وجه الطاغية ومنع الاعتداء على الأبرياء من المسلمين السنًة. وأشار أيضًا إلى أن اعتذار القرضاوي علنًا أمام الجمهور وقوله «مشايخ السعوديَّة كانوا أنضج مني» يؤكِّد أننا أمام عالم كبير يعتذر علنًا عندما يخطئ في حقِّ الآخرين خصوصًا أنَّه أحسَّ بما يعانيه أهل السنّة في سوريا من ظلم كبير. وطالب الشيخ حميد حكومة خادم الحرمَيْن الشريفَيْن بمواصلة دعمهما لأهل السنّة في سوريا والوقوف في المحافل الدوليَّة ضد الطاغية بشار الأسد ووقف العنف ضد المسلمين من السنّة.