الرواد يرحلون.. لكنهم أبداً لا يغيبون .. فهم في ذاكرة التاريخ دوماً حاضرون.. وكيف يُغَيِّب التاريخ ذكر هؤلاء، الذين أضاؤوا الشموع في عتمة الجهل، وحملوا هموم الديرة والوطن إخلاصاً وإبداعاً؟! والحق أن هؤلاء لا يوفيهم ما بذلوا من خير للأرض والرَّبع، إلا رب الأرض والسماء، العالم بسرائر العباد، لكن حقهم علينا دمعة حرّى لفراقهم، وأن نُعَرّف بذكرهم الحَسَن لمن لا يعرفهم، ترويجاً للقدوة التي قدموها لمجتمعهم، بالجد وبذل غاية المستطاع.. وفوق المستطاع! من هذا المنطلق، فإني اليوم أنعي إليكم رحيل واحد من هؤلاء، الذين سخّروا أعمارهم في خدمة الدين والوطن وأبنائه، وتشرَّف بخدمة الدولة (34) عاماً هي جُلّ عمره، من عهد الملك فيصل الشهيد - طيب الله ثراه - إلى هذا العهد الزاهر المجيد. إنه الأستاذ غرم بن ظافر آل متعب، واحد من قامات بني شهر، رحل بالأمس مخلفاً وراءه إرثاً حافلاً في مجالَي التعليم والخدمة المجتمعية. فقد استهل الفقيد حياته العملية - في إدارة تعليم النماص- معلماً أنموذجاً ومربياً حريصاً كذلك، فكان يطرق باب الغائب من طلابه، مستأذناً حريمه بفسح المكان، كي يدخل ليتعرف على حالة الطالب، فإن وجده متعللاً لا عليلاً.. جره معه إلى المدرسة، وكم يثني عليه اليوم كل من أواجه من طلابه، الذين شغل الكثير منهم مواقع وظيفية مرموقة في المجتمع: أطباء، ومهندسين، وضباطاً، ومعلمين... ثم تحول الرجل إلى قائد كشفي - لما يزيد على عقدين من السنوات - فأبلى البلاء الحسن في إعداد القادة الكشفيين، والتأهيل للشارة الخشبية، وخدمة الحجيج لمواسم عديدة، كما ترأس وفود منطقة النماص الكشفية، في زيارات رسمية لبعض أرجاء الوطن، عرفته من خلالها كل من: القنفذة، نجران، الأحساء، سدير، جدة، وبيشة. وحين ترجل الفارس عن صهوة العمل الرسمي، لم تستهوه حياة الدِّعة، ولا أغراه أن يقضي سنيّ عمره الأخيرة في واحة الراحة، بل هب في خدمة أهله وديرته وذويه بكل مجال اجتماعي وخيري، وله في هذا المضمار الكثير الكثير مما يشهد به الخلق، وربما يستعصى على الحصر. رحم الله الفقيد رحمة واسعة، وألهمنا وآله الصبر والسلوى.