ولابد يوماً أن ترد الودائع فلك يدور وأيام تمر وشهور والإنسان في هذا الكون الفسيح يبحر في عالم الأماني والآمال ولا يعلم متى تحط مراكبه على مرسى المنايا.. وهذه طبيعة بني البشر آمال عراض وطموحات كبيرة لا تحد، بل تزداد وتتضخم مع أيام العمر، ولكن سنة الله في خلقه أن الآمال تحفز إلى الأعمال، ومن عبر الحياة ونواميسها أن يوفق الإنسان اللبيب والحصيف بين سعيه في الحياة له ولمن بعده وبين أن يسعى لغده في عمل صالح مبرور وغرس ذكرى حسنة وأن يكون ختام أيامه نهاية سعيدة، ولله في خلقه شئون، وله الأمر من قبل ومن بعد وإليه المصير.. خطرت ببالي هذه العبارات عندما قرأت خبر رحيل رجل مثالي كان في حياته درة المجالس وقدوة المربين ومثال المواطن المخلص؛ ذلكم هو أستاذ الجيل الشيخ عبدالعزيز بن زاهر العسبلي الذي رحل عن دنيانا الفانية وانتقل إلى دار البقاء والخلود في يوم الخميس الموافق 8-11-1432ه وبفقده -يرحمه الله- ودعت محافظة النماص بمدنها وقراها، هذا المربي الجليل والإداري القدير الذي عاش حياة حافلة بالعطاء والنجاح. وقد فاجأني الخبر عندما قرأت نعيه منشوراً في هذه الصحيفة، لقد كان الفقيد الغالي أحد رجالات التعليم القدامى، وقد أبلى بلاء حسناً في مجال التربية والإدارة والتوجيه وعلى مدى نصف قرن؛ وقد تخرجت على يديه أجيال وأجيال تدين له بالوفاء والعرفان وتتسنم الآن الكثير من المناصب بمختلف المجالات. لقد عرفت الفقيد الغالي في مقتبل حياتي الوظيفية عام 1386ه وأنا للتوّ قد باشرت عملي مديراً لمكتب المدير العام للشئون الإدارية بوزارة المعارف -التربية والتعليم حالياً- وقد كلفت وقتها مع زملاء أفاضل من جهاز الوزارة بتوجيه من معالي الوزير الراحل الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ -رحمه الله- للسفر إلى منطقة عسير للإشراف على عمليات استلام وتسليم بين مديري التعليم في أبها وبيشة.. بدأت المرحلة الأولى بتسليم إدارة التعليم في بيشة للمربي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، وكانت إدارة وليدة تحتضن في جنباتها كوكبة مضيئة من الإداريين والتربويين من أبناء المحافظة أذكر منهم على سبيل المثال الأخوين الكريمين محمد بن خشيل وصالح بن خشيل.. والمرحلة الثانية في مهمتنا هي تسليم إدارة التعليم في أبها إلى مديرها الجديد الشيخ محمد الفواز -رحمه الله- ومن محافظة بيشة توجهنا إلى أبها وتركنا التخطيط لمسار الرحلة بإشراف زميل عزيز من أعضاء اللجنة ومن أبناء المنطقة هو المربي والموجه الأستاذ فراج بن شاكر، وكان في ذروة الفتوة والحيوية يعمل وقتها في إدارة التعليم في بيشة واقترح بتوافق مع الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ رفيق الرحلة أن يكون سفرنا إلى أبها عن طريق محافظة النماص، حيث الجو الممتع والهضاب الخضراء وكان الوقت صيفاً. وبعد ساعات وصلنا إلى مدينة النماص تلك المدينة الحالمة الوادعة التي تعانق السحاب، ومكثنا فيها يوماً وليلة استعداداً لإكمال الجزء الأكبر من الطريق إلى أبها حيث تنتظرنا العقبات والمنحدرات الطبيعية التي كانت سائدة ومستأسدة قبل حوالي نصف قرن وقبل أن تمتد إليها أيادي الإصلاح والتهذيب والتمهيد.. عجائب هذه الطبيعة الخلابة التي تأسر القلوب والنفوس بجمالها ونجدها في طريق النماص تنومة بلحمر وبلسمر، وأمثالها ومع ذلك كله ولأن الشيء بالشيء يذكر والحديث هنا عن كلمة حق عن زميل فقدناه أو بمعنى أصح أستاذ تعلمنا منه الكثير ولمسنا منه الوفاء والشهامة رغم أننا لم نجتمع به إلا سويعات متفرقة في أحضان الطبيعة في النماص وتنومة؛ وأعني به شخصية فقيدنا الغالي الشيخ الفاضل والمربي الجليل عبدالعزيز بن زاهر الذي كان وقتها مديراً لأهم وأكبر مدارس محافظة النماص، وكان قدوة المربين المتميزين في سيرته ومسيرته.. وكان زميلاي من الوزارة في هذه المهمة وهما: الأستاذ سعود المسعري -رحمه الله- والأستاذ سعود اليمني من الذين ملك الفقيد أعجابهما بكرمه ولطفه وتواضعه ولأن الثناء عاجل بشرى المؤمن ورسولنا الكريم أوصانا بذكر محاسن موتانا، لذا نقول كلمة حق فالوطن فقد برحيله مواطناً مخلصاً ومربياً قديراً ورجلاً شهماً ومحبوباً.