على الرغم من مرور نحو ثلاث سنوات وأربع حكومات انتقالية، ورغم جميع الوعود التي أطلقتها هذه الحكومات المتعاقبة حول الازدهار الاقتصادي المرتقب، لا يزال التونسيون يعانون من ارتفاع الأسعار والبطالة وعدم الاستقرار الذي يعود بشكل أساسي إلى تدهور الوضع الأمني. وعلى الرغم من أن الهجمات الإرهابية لا تزال منخفضة التواتر، إلا أنها تزداد عدداً بشكل ينذر بالخطر، مما يسرِّع بانتشار الشائعات، ويضعف الدولة ويؤدي إلى مزيد من الاستقطاب في المشهد السياسي. يقول تقرير نشرته "مجموعة الأزمات الدولية" مؤخراً، إن الفجوة تتسع بين تونس على الحدود سهلة الاختراق، والتي تحتشد فيها الجماعات المسلحة، وتونس العاصمة والساحل التي تنتابها المخاوف من هشاشة المناطق الداخلية. ويضيف تقرير مجموعة الأزمات أن الفراغ الأمني الذي أعقب انتفاضة الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، يفسِّر إلى حد كبير الارتفاع المثير للقلق في وتيرة عمليات التهريب عبر الحدود. ورغم أن التهريب كان منذ وقت طويل المصدر الوحيد للدخل لأعداد كبيرة من سكان المناطق الحدودية، فإن الاتجار بسلع خطيرة ومربحة أصبح يشكِّل مصدراً لمخاوف عميقة. فقد باتت المخدرات الخطيرة إضافة إلى كميات صغيرة نسبياً من الأسلحة والمتفجرات تدخل البلاد وبشكل منتظم من ليبيا. على نحو مماثل، فإن النصف الشمالي من الحدود التونسيةالجزائرية بات منطقة تشهد عمليات تهريب متزايدة للحشيش والأسلحة الخفيفة. هذه الأنشطة تزيد من قدرة الجهاديين على التعطيل وإثارة القلاقل وترفع من حدة الفساد في أوساط السلطات الحدودية. تجدر الإشارة إلى نحو خاص إلى أن المعدات العسكرية القادمة من ليبيا لم تتدفق بذاك الشكل الهائل على البلاد. لكن في الوقت ذاته لا ينبغي التقليل من أهمية هذا الخطر. لا شك بأن الحرب في ليبيا كانت لها تداعيات أمنية وأن المجموعات المسلحة في المناطق الحدودية والتي شنت هجمات ضد أعوان الحرس الوطني، والجيش والشرطة، أصبحت تشكل تهديداً أمنياً كبيراً فاقم عودة مقاتلين تونسيين من سورية. يضاف إلى هذا حقيقة أن الأنشطة الإجرامية والتطرف الإسلامي باتا يمتزجان في ضواحي المدن الكبرى وفي القرى النائية الفقيرة. بمرور الوقت، فإن نشوء ما يُسمى "العصابات الإسلاموية" يمكن أن يسهم في ظهور مجموعات تجمع بين الجهاد والجريمة المنظمة داخل شبكات التهريب العاملة على الحدود أو الأسوأ من ذلك، إلى التعاون بين كارتيلات التهريب والجهاديين. وتتطلب معالجة مشاكل الحدود تعزيز الإجراءات الأمنية، إلاّ أن هذه الإجراءات لن تكون كافية بحد ذاتها. حتى مع استعمال أكثر آليات السيطرة على الحدود تقدماً من الناحية التقنية، فإن سكان هذه المناطق الذين ينظِّمون أنفسهم في شبكات، والذين يعدون من أفقر سكان البلاد سيظلون قادرين على المساعدة على عبور السلع والأشخاص عبر الحدود أو منع ذلك. وهكذا فإن تهريب الأسلحة والمخدرات، إضافة إلى تحرك المقاتلين الجهاديين، بات رهينة للمفاوضات غير الرسمية بين أمراء الاقتصاد غير المنظم وممثلي الدولة. منذ سقوط نظام بن علي، بات التوصل إلى مثل هذه التفاهمات أكثر صعوبة. وقد تمثلت النتيجة في إضعاف فاعلية الإجراءات الأمنية وندرة توافر المعلومات الاستخبارية المستقاة من العناصر البشرية التي تلعب دوراً حاسماً في مواجهة التهديدات الإرهابية أو الجهادية. في ظل مُناخ محلي وإقليمي متقلب، فإن استعادة الثقة بين الأحزاب السياسية والدولة وسكان المناطق الحدودية يوازي في أهميته تعزيز السيطرة العسكرية في أكثر المناطق عرضة للاختراق. لذلك فإن حداً أدنى من الإجماع بين القوى السياسية حول مستقبل البلاد هو وحده الكفيل باستعمال مقاربة ناجعة حقاً لمعالجة قضية الحدود. إلا أن المأزق السياسي الراهن لا ينبغي أن يستبعد تحقيق بعض التقدم الفوري على الجبهة الأمنية. العمل معاً لتعزيز عمليات السيطرة على الحدود، وتحسين العلاقات بين السلطات المركزية وسكان المناطق الحدودية إضافة إلى تحسين العلاقات بين دول المغرب العربي: هذه كلها مهام يمكن إنجازها فقط بعد تسوية الصراعات السياسية الكامنة تحتها لكن، وفي هذا الأثناء، لا تستطيع الجهات الفاعلة في تونس تجاهلها. التوصيات إلى الأحزاب السياسية الرئيسية، وأعضاء المجلس الوطني التأسيسي وممثلي سكان المناطق المحاذية للحدود مع الجزائر وليبيا: - إنشاء مجموعات عمل يكون هدفها التوصل إلى مقاربة إجماعية وحيادية سياسياً لعملية ضبط الحدود والأمن العام وتقديم نتائج عملها إلى السلطات الجهوية والوطنية. إلى الحكومة التونسية: - تكثيف عمليات التفتيش على الحدود الجنوبية الشرقية. - زيادة عدد الدوريات المختلطة (الجمارك، والشرطة، والحرس الوطني، والمخابرات، والجيش) بقيادة القوات المسلحة التونسية وتكثيف التكوين والتدريب المشترك بين الجيش والحرس الوطني. - متابعة الجهود لإنشاء جهاز مخابرات وطني ودمج أجهزة المخابرات ووحدات مكافحة الإرهاب فيه. - تطوير برامج إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني للمقاتلين التونسيين العائدين من الجبهة السورية. إلى الحكومات الجزائريةوالتونسية والليبية: - تعزيز التعاون الأمني، خصوصاً بإضافة معابر حدودية مشتركة ودوريات مشتركة وتشجيع تبادل المعلومات. إلى السلطات المركزية، والجهوية والمحلية إضافة إلى ممثلي سكان المناطق الحدودية: - مناقشة الأدوات العملية لتعزيز الآليات المحلية للسيطرة على الحدود، خصوصاً من خلال الاستخبارات البشرية. - مناقشة إمكانية إنشاء مناطق تجارة حُرة في المناطق الحدودية. إلى وزارة التجارة والحرف اليدوية التونسية ونظيرتيها في الجزائر وليبيا: - إجراء دراسات جدوى حول إنشاء مناطق حُرة في المناطق الحدودية. إلى الشركاء الغربيين الرئيسيين لتونس (فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي): - تركيز التعاون الاقتصادي، والاستثمارات والمساعدات التنموية على حدود البلاد والمناطق الداخلية. - تشجيع إصلاح القطاع الأمني سياسياً، ومالياً وتقنياً، خصوصاً من خلال إنشاء قوات أمن محترفة وتجنب تسييس إدارة هذه القوات. - تشجيع وتيسير التعاون الأمني المغاربي، خصوصاً من خلال تعزيز تبادل المعلومات فيما يتعلق بليبيا مع الحكومة التونسية، خصوصاً في سياق بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية.