تقافزت وتبلورت وتناثرت الكوميديا السعودية على شاشاتنا العربية عامة والشاشة السعودية خاصة.. وأضحينا معها مجبورين على تناقضات عديدة، ومع هذا الكم الهائل من الممثلين لا يكاد يظهر لنا ممثل سعودي ذو شخصية متزنة مستقلة حديثة يصور المشهد السعودي بإتقان وعفوية الحركات.. فكل سنة نحن أمام أزمة "كوميديا" هادفة.. ظناً من ممثلينا الأعزاء أن الكوميديا ضحك، وتهريج، وإسفاف، وسقوط، وتفحيط، و"هياط"..! حتى بات المشاهد ينطق بالأحداث ويتوقعها صحيحة دون الحاجة لمشهد قادم يضحك به على الذقون، والاندفاعات المكشوفة والحركات المصطنعة، وتحريك ملامح الوجه، وتقليد بعض الأصوات، والترنح والتخبط، والقفز على العمق الفني بإيجادة الشخصيات شكلاً، ومضموناً.. والقفز على واقعية الحقيقة المكلومة بهذه الأساليب التي لا تعدو كونها "طيش عيال"، فحين تفتش في تلك النصوص والحبكة الدرامية تجدها غاية في التسميج، والتي أصابتنا بالغثيان، وليت الأمر توقف عند هذا بل تجاوز حدود المهنية ليكتبوا لأنفسهم دور البطولة وإن تعددت الشخصيات الناجحة في رسم الشخصيات فقط دون الإلمام بحثيثات الشخصية وتقمصها، والعيش في جلبابها بدلاً ممن يتبجح بعرض نفسه في كل ثانية بداية عرض المسلسل وأثناء أحداث العرض ونهاية المسلسل، وقمة تناقض الشخصية الكوميدية السعودية حين تضع من نفسها شخصية المصلح الاجتماعي بتناول قضايا اجتماعية بل يفندها، ومن ثم ينقدها، ويقدم الحلول، وهذا ما يجعلنا في فساد في الذوق العام، ويتحول النقد لتسطيح الفكرة، و"تمشية الحال" حتى لو وصل الحال للتدليس ب"الثقالة" و"الغثاثة".. فما يقدم حالياً ليس إلا تصديرا للنكَتة الشعبية دون ملامسة ضميرها، وحرية تفاعلها، وهنا يكمن الفرق والتناقض الكبير، فمن كان يقدم النكتة "الشوارعية" الاجتماعية كان يقدمها حقيقةً لا تزييفاً وذلك بغوصه في شخصية النكتة، ومحيطها وردة فعلها، وعكف كثيراً على جوانبها، في الوقت نفسه جعل الناقد المشاهد الذي بات هو المحك الحقيقي لأي عمل فني، فثقافة المشاهد ووعيه الدرامي، وذائقته الفنية ربما تجعله يفوق أبطالها الذين أحسنوا الصورة والمكياج، ولم يحسنوا دور الشخصية الذي كان ارتجالياً في غالب مشاهده وتفاصيله؛ ظناً منهم بأن تلطيخ الشخصية بمساحيق التجميل تميز وكافٍ، وانبهار المشاهد بها يعد نجاحاً.. خاصةً حين تعلم أن من قدم النكتة الرمضانية لم يكن هدفه إيصال رسالة وإنما هدفه مادي وشهرة، حتى إن أحد أضلاع التهريج الفني السعودي، والكوميدي مجازاً، وليس حقيقةً.. يقول: لا أتابع ما قدمته في رمضان حتى لا أفقد روحانية رمضان الكريم.. ولأنه لا يستحق المشاهدة فعلاً.. فانكشفت الأقنعة وبتنا صابرين على "ثقالة طينتهم"، وقشور طرحهم، الذي لا يبحث عن علاج القضية أو المشكلة بل عن علاج وضعهم الاجتماعي والمادي تحديداً.. وذلك عن طريق زيادة دخل شركات إنتاجهم، وحصتهم من الكعكة اللذيذة.. وإن كان الضحك والتلاعب بمشاعر البسطاء، المطحونين هو قيمة الكوميديا السعودية القادمة مع الأسف الشديد. ومضة: تبقى الكوميديا فناً قائماً على النبض الصادق للإنسان البسيط في مجتمعه، وليس على الإصلاح الاجتماعي المزيف، وتقديم الحلول، وهو على "كبسة غداء حاشي.. وكثَر الشطة".