"أم عمر" مسنة رمتها الأقدار في أحد الأربطة الخيرية بجدة، أنساها الزمن كم تبلغ من العمر، ولكن لم يُنسها قسوة ابنها الوحيد، الذي تنطق باسمه كلما سمعت صوتاً عند باب حجرتها بالرغم من إصابتها، وزادت "أم عمر" بأن ابنها وضعها هنا سنوات عدة، وعاد قبل عام ليأخذها إلى منزله، ولكنها تزداد مرضاً كلما خرجت معه، ولا تستطيع العيش خارج غرفتها بالرباط، التي اعتادت عليها وعاشت بها لسنوات. وكشفت الجولة الميدانية التي قامت بها "الوطن" على رباط "المغربي" و"الولاية"، عن ضعف الخدمات المقدمة للمسنات في الأربطة الخيرية بجدة ،التي أسست غالبيتها قبل 200 عاماً، بدءاً من مواقعها الأثرية في وسط البلد، والطُرقات الضيقة الموصلة لها، ووقوفاً عند أبوابها المشرعة بدون أمن يحميها، واتساخها بالمهملات وبقايا الأكل المتعفن، والمجتمع عليه الكثير من الحشرات والفئران والرائحة الكريهة للمكان، وصولاً إلى حال المُسِنَّات البائسة، في انتظار شفقة أهل الخير لإمدادهن بالأكل والشرب والأدوية. وتقول "أم منصور": إنها اعتادت على هذا الوضع المتدني في الرباط، خاصة بعد أن أصبحت الجمعيات الخيرية هي المسؤولة عن توفير احتياجاتهم. وقالت "عائشة حامد": أتيت إلى السكن في الرباط منذ عامين فقط عقب وفاة اثنين من أبنائي في عام واحد، و بعد أن كان أحدهما يؤمن لي المسكن، والآخر يتكفل بنفقتي، معبرةً عن حالها الآن في الرباط بقولها: "لا يسر عدو ولا صديق". وأوضح عمدة حي البلد الشيخ "عبدالصمد محمد عبدالصمد"، أن منطقة البلد تحوي أكثر من 20 رباطاً في المنطقة التاريخية بجدة، وأسست غالبيتها قبل 200 عاماً مثل (رباط الذيب، والخنجي، والنوري، وباناجة، والمغربي والصومالي). وقال: إن هناك أربطة أغلقت لعدم أهليتها للسكن، والبعض الآخر موجودة، وما تزال تؤدي دورها الخيري كدار إيواء، نعمل الآن مع جمعية الإحسان على إعادة ترميمها وتأهيلها للسكن، بالاحتفاظ على طابعها التاريخي. من جانبه، أوضح مدير الشؤون الاجتماعية في منطقة مكةالمكرمة عبدالله آل طاوي، أن دور الشؤون الاجتماعية يقتصر على تقديم الخدمة الاجتماعية إلى قاطني الأربطة الخيرية، من حيث دراسة الحالات الموجودة، وتقييد من يستحق إلحاقه في الضمان الاجتماعي، ومن يحتاج إلى مساعدات تقدم له عن طريق الجمعيات الخيرية، وبحسب توجيهات محافظ جدة ورئيس المجلس المحلي الأمير مشعل بن ماجد، بتشكيل لجنة اجتماعية لدراسة حال الأربطة وساكنيها، وتم الانتهاء من إعداد تقرير مفصل وتسليمه إلى محافظ جدة، مشيراً إلى أن من هذه الأربطة ما يحتاج إلى إعادة تأهيل، وترميم البعض الآخر؛ لتصحيح أوضاعها، بينما المعني بالأربطة الخيرية وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ويقتصر دور الشؤون الإجتماعية على تقديم الخدمة الاجتماعية على من ينطبق عليه النظام فقط، بالنسبة إلى سكن غير السعوديين فيها.