خلف جدران الأربطة الخيرية في جدة تعيش وجوه لا تعرف شيئا عن ركض وإيقاع الحياة ، مسنات يجلسن خلف جدران الغرف التي تؤويهن ، ومع إطلالة الشهر الفضيل فإن هذه الوجوه المتعبة تبتسم للحياة حينما تهب عليها أنسام الخير من أصحاب الأيادي البيضاء والذين يترجمون إحساسهم بمعاناة سكان الأربطة عبر مواد تموينية لسكان الأربطة . قصص كثيرة تنام في أضابير الأربطة الخيرية ، خاصة أن هناك مسنات أجبرتهن الظروف للإقامة في الرباط الخيري ، الذي وفره بعض أهل الخير لهن . وإذا نظرنا إلى حال بعض الأربطة الخيرية نجد أنها تقف على جدران متهالكة من الخارج والداخل ، وتحمل خلف هذه الجدران قصص صبر مدفونة في صدور مسنات عشن في الدنيا ما يقارب التسعين عاما ، يتملكهن الخوف وشيء من الحيرة . وأنت بجوار أحد الأربطة وقبل أن تطرق الباب تلمح إحدى المسنات وهي تتكئ على أتعاب عمرها وما أن تدلف إلى الرباط حتى تسمع أصوات المسنات وهن يتحدثن ويعلن عن فرحتهن بإطلالة شهر رمضان الفضيل، ولكل واحدة من ساكنات الرباط حكاية تختزنها في قلبها ولا تبوح بها . في البداية تروي أم يوسف 82 عاما والتي فضلت عدم ذكر اسم الرباط أنها تقطن في الرباط منذ ما يقارب 25 عاما تقول أصبحت أقدم امرأة في هذا الرباط الذي جاءه الكثير ورحلوا عنه الى جوار ربهم ، وتروي انهم يفتحون باب الرباط منذ الصباح الباكر حتى قبيل المغرب وذلك لتوافد أهل الخير من اماكن بعيدة. وتضيف أهل الخير يأتون من أماكن بعيدة لمساعدتنا بالمال والطعام ، كما أن هناك بعضا من رجال الاعمال الذين يأتون الى الرباط شهريا رغبة منهم في تقديم ما تجود به أنفسهم ، موضحة أنه قبيل شهر رمضان يزداد عدد فاعلي الخير والذين يأتون بالاطعمة والملابس وبعض الاثاث البسيط ، ويقومون بتوزيعها على ساكني الاربطة . ومن جانبها تروي صديقتها فاطمة والتي تعرفها منذ ما يقارب العشرة أعوام أن رمضان يأتي ومعه الخير حيث يجود أهل الخير بكثرة في هذا الشهر، الا أن الحزن الداخلي لا يعادله مال الدنيا حيث أننا نعيش بعيدا عن الابناء الذين تخلوا عنا منذ عشرات السنين. وأضافت المسنة فاطمة بقولها في هذه الاربطة أصبحنا كالاسرة الواحدة فالصغيرة منا تخدم الكبيرة ونتقاسم العمل في ما بيننا ولكن نعاني من شح الماء حيث أن الخزانات الارضية صغيرة ما يؤدي إلى انقطاع الماء بسرعة. وأضافت أنهن يجدن صعوبة في جلب صهريج الماء من نقاط البيع بسبب تقدم أعمارهن وعدم المقدرة على الذهاب للأشياب. تخرج من الرباط ولا زال في جعبتهن الكثير من الأسئلة والكلام ، وتتجه إلى رباط آخر في المنطقة التاريخية ووجدناه مثل سابقه بغرف متهالكة وأبواب قديمة ولكن العامل الوحيد المشترك هو أن جميع ساكنات الرباط من كبيرات السن ، وفي هذا الرباط تسكن هند 77 عاما وهي إحدى أقدم النساء في الرباط. تقول هند بأن رمضان هو الشهر الوحيد الذي يفرج ضائقة ساكني الاربطة ويخرجنا من مأزق العوز والفقر ، وقالت نحن لا ننكر فضل أصحاب الاربطة الذين وفروا لنا هذا السكن ولكن نطالب جهات مختصة بتأمين احتياجاتنا الغذائية والدوائية وذلك بالتنسيق مع رجال اعمال يأتون شبه شهريا إلى هذه الاربطة. وأضافت المسنة هند بقولها عندما تتحد جهود الجمعيات مع رجال الاعمال واهل الخير يكون هناك عمل تنظيمي يكفل للجميع حقه، وتزيد بأن الرباط يحتاج إلى عناية خصوصا في جوانب الترميم من الاسقف والجدران الجانبية والتي بدأت بالتشقق والتهالك ، فضلا حل الجانب العلاجي والذي تحتاجه كثير من ساكنات الرباط وذلك لكثرة أمراض الشيخوخة بينهن . ودعت هند بأن تشرف جهات مختصة على الجانب الغذائي والتمويني والصحي، فضلا عن المراقبة على عملية النظافة في الاربطة والتي سينعكس مردودها على الصحة العامة في الرباط، فيما طالبن البعض بحراسات أمنية على الاربطة لا سيما التي يقطنها بعض العوائل وبها فتيات في تلك الاربطة. من جانب آخر سبق أن وجه صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز محافظ جدة بوضع لائحة موحدة للمسؤولية الاجتماعية للعناية بالأربطة الخيرية على أن يشرف عليها فرع وزارة الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة للمحافظة على الأربطة والعناية بالمستفيدين منها وتقديم الخدمات اللازمة لهم في القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية مع التأكد من سلامة المنشآت هندسيا في ظل وصول أعمار بعضها إلى 100 عام. وكان ذلك التوجيه ضمن ورشة عقدت بالغرفة التجارية الصناعية بجدة ممثلة في مركز جدة للمسؤولية الاجتماعية بحضور عضو المجلس المحلي بالمحافظة محمد عمر ولي لوضع تصور خاص بتطوير الأربطة الخيرية التي يصل عددها بجدة إلى 63 رباطا خيريا. لائحة تنظيمية عضو المجلس المحلي بمحافظة جدة المهندس محمد عمر ولي أوضح في حينه أن الورشة بحثت تطوير الأربطة وجعلها نماذج خيرية نافعة لقاطنيها، مشددا على صدور توجيهات محافظ جدة بسرعة وضع لائحة تنظم إدارة الأربطة التي يدار معظمها بشكل عشوائي وتفتقر إلى أعمال الصيانة اللازمة وتواضع الخدمات المقدمة فيها بمجهودات ذاتية وتطوعية، مؤكدا حرص المحافظ على الارتقاء بهذه الخدمات وفق أسلوب علمي مبني على توصيات ورش عمل ولقاءات متواصلة، مضيفا أن العمل يتضمن توفير عمل وتعليم لأبناء وبنات قاطني الاربطة .