من نقصان لا يحن إلى اكتمال؛ من ثغرة لا تتوق إلى ردم؛ من قلق مشتهى؛ من ذاكرة تنهش.. يغمس الشاعر "عزيز أزغاي" أصابعه ليكتب ويرسم نصوص كتابه الرابع "الذين لا تحبهم" الصادر عن منشورات "فرائد في المغرب" يدحم الحواس دحماً، شاقاًّ تربة المشهد، منسربا إلى طبقات أدنى، حيث جذور الألم ينفذ إليها؛ تنفذ فيه بشوكتها السوداء ليخر القلب في تشنجاته والعصب في تشققاته؛ لتكبر الورقة منزلا يسع البوح ودرجاً يصعد إلى نور حكاية مطلولة بدم قديم؛ مطلية بأزرق يقول البحر رائقاً في الأسى.. يقول أفقه راسخاً في العتمة: (منذ سنوات،/ وأنت تلمع فكرتك الباهظة عن النقصان./ لم يخبرك الرجل الواقف في البرد/ أن الشتاء عاد سريعاً،/ بلا معاطف ولا قبّعات،/ وأن أصدقاءك الذين كسروا زجاج طفولتهم/ في الرهان/ قد شاخوا وراء خيول/ لا تركض لأجل أحد.// في نهاية اللعبة بقيت وحدك صديقاً للعتمة،/ تحت هذه الشمس/ التي لا تطلع لأحد). هذه الكتابة المشغولة من صهد التعب؛ المطبوخة بجمر الألم لا تمرّ إذ تمرّ إلا بسهمها الناري يخز ويعلم بطاقة الآه تختبر الأعضاء في ليل يسن أظافره، ويبري سكين الوجع مرفوعة تتقصى ضربة نردٍ لا تقع إلا على غياب تتكثف برادته بريد الرصاصة لنحر غامض يتوضحه نهار اللوحة: (القليلون في المشهد/ كانوا كثرة في حياكة الألم،/ حتى أنهم أغرقوا سمكاً كثيراً/ في لوحة قاحلة).. (البناؤون وقد نامت ثيابهم باكرا/.../ كلما ابتسمت لهم رائحة الموت،/ لفّوا أعمارهم في أوراق اليانصيب/ واستعجلوا قصصاً طازجة/ عن فداحة الأرواح). ما يحمله حبر عزيز أزغاي فادح يشق حمله. تجربة في الفتك موشوجة عروقها إلى مأزق الكائن يتخبط في هواء قليل شفرته جارحة كلما دَوَمَ بهسهسة الأشباح يفدون من مقالع تقدهم حجراً حجراً للذي بلا سقف ولا دريئة، تحدق به "قطارات القناصين" وتبتدره "حنكة المقصات". يغري العاصفة أن تأخذه إلى القلب من هبوبها ويكشف الطريق سالكة لئلا يضل الرصاص أو يقصر عن زخاته. يتخمر في المسافات، وينضج بكسوره في آنية وقت مكسورة؛ فيها يقيس يتمه ويبرأ من يقين يصله بالنهايات؛ يعرى من هشاشة لا لزوم لها فقد نضَّ القميص ودعا المحدلة: (ليس لها سوى هذا الافتراس/ الذي يتمعن في الأثر./ وهذه الارتماءة المفتونة/ بصرير العظام). فتنة الخروج من الجسد بطلقة "تسعد الجمجمة" وتصييره أشلاء تهدم ماهيته. تشفيف وتذرية. كما لو أن هذا الجسد في غيابه عن مادته الحبر وكسور الرخام لجسر قيامته إلى النص وإلى اللوحة؛ ترجمانه الأمين وأمانته تهجع في تضاعيف الكلام وتلبد في ثنايا الرسم: (إنها أرجوحتك الأخيرة/ في نزل بارد:/ بضع أمتار من الأصباغ/ وكلمات لا يفهمها أحد،/ مجرد تخثر في شريان نادم/ يلزمك مصاحبته... إلى نهاية التجربة).