ذات يوم قال لي أحد مثقفي ينبع مستنكرا: كيف تكون رئيس اللجنة الثقافية هنا وليس لك سوى إصدارين بينما أنا لي سبعة إصدارات ولا أكون الرئيس؟! أذكر ذلك في أول الحديث عن الثقافة في ينبع، وما أثير حولها على هامش فعاليات الأيام الثقافية هناك، وما تداولته الصحف من مطالبة أهالي ينبع بناد أدبي، لأؤكد حقيقة عرفتها عن قرب، وتلمستها عن معايشة للواقع الثقافي في ينبع، وهي أن الثقافة بالنسبة لطيف كبير من مثقفي هذه المحافظة تعني الصدارة أو لا شيء آخر، وعلى ضوء ذلك يمكن أن نفهم أسباب تعثر العمل الثقافي في صورته الجماعية، وانكفاء أغلب المثقفين على أنفسهم، وخذلان كل الكيانات والمحاولات التي ناضلت لخلق صورة ثقافية خلاف الصورة الحالية الباهتة، رغم كل الذي تزخر به المنطقة من عمق تاريخي، وموروث ثر، وطاقات إبداع مميزة، فضلا عن التجربة الحضارية التي واكبت بزوغ المدينة الصناعية التي تخلقت على ضفافها حياة كاملة إضافت إلى شطري النخل والبحر إيقاع الحياة الجديدة وروائح المدن الواعدة بالغد. ومطالبة مثقفي ينبع بناد أدبي تطلع مشروع، ووعود الوزارة بهذا الشأن تجاوب يمليه حق الإجابة، والإفصاح عن رأي ذي اختلاف بهذا الصدد لا يوغر صدر الحقيقة، ولا ينبغي أن يفسر خارج سياق مشورة العارف عن قرب، والناصح عن إخلاص لثقافة ينبع مرة، ولوزارة أثقلتها مطالب الفئة المثقفة في كل جهات الخارطة مرة أخرى. وباختصار فينبع ليست بحاجة إلى ناد، لأنه سيكون تكريسا مزعجا للترهل القائم في بنية العمل الثقافي المؤسسي في المحافظة، والذي يضم من الكيانات الثقافية ما لو أحسن التعامل معه، ومنحه مثقفو ينبع فضلا من عنايتهم، وبعضا من اهتمامهم، بعيدا عن عقد الرئاسة والصدارة والمسميات الوهمية، سيثمر عملا ثقافيا حقيقيا، تخرج به المنطقة عن عزلتها، ويغادر به مثقفوها دوائر الغربة والانطواء. لقد مد نادي المدينةالمنورة الأدبي للمحافظة يد المبادرة حين أنشأ فيها لجنة ثقافية واعدة، لم يكن انصراف المثقف الينبعي وهجرانه أكبر مكابداتها، بل وجدت من أعضاء اللجنة ومن تفترض فيهم الريادة والقيادة بغض النظر عن المسمى من يخاطب أصحاب القرار في المحافظة منتقصا أداء اللجنة وسير عملها، مطالبا بإنشاء لجان خاصة تحت مظلة حكومية بغرض مزاحمة اللجنة الثقافية وتهميشها! وقدمت إدارة الخدمات الاجتماعية بالهيئة الملكية بينبع جهدا ثقافيا رغم تقليدية مناشطه إلا أنه كان بأمس الحاجة إلى توجيه ذوي الخبرة والاطلاع من مثقفي ينبع ليخرج عن إطار التقليدية وتستثمر إمكاناته الكبيرة على نحو أجدى وأفضل. ومع ما تحمله لجان التنمية السياحية الحالية من انبثاقات ثقافية، وما قدم في حقل التربية والتعليم في من مبادرات ثقافية جادة، يكون العمل الثقافي في صورته المؤسسية الرسمية في المحافظة شبه مكتمل، وأقصى ما يحتاجه التنسيق بين الجهود وتناغم الأداء بين جهاته المختلفة. إن أزمة الثقافة في ينبع ليست أزمة مؤسسة على الإطلاق، والمؤسسة بكل تجلياتها حاضرة، وقادرة على تحقيق المختلف والمدهش في هذا السياق، والكيانات الصناعية والخدمية في المحافظة تدعم بسخاء متى اتضحت لها الرؤية حول مشاريع ثقافة جادة، غير أن الأزمة الحقيقية هي أزمة المثقف ذاته، وتعلقه بأهداب الشكل التقليدي للمؤسسة الثقافية، في زمن تجاوزت فيه الثقافة أطرها وقوالبها القديمة، وبات يمكن لمقهى على ضفاف بحر أن يضم فعلا ثقافيا لا يحسن القيام به ناد أدبي مثقل بروتين المؤسسة وحجب البيروقراطية، وكل ذلك لأجل كرسي في الصدارة يصله معتدا بمؤلفاته السبعة، ولو كانت "سبعا عجافا"!