د. عبدالرحمن حسن المحسني كنت طالبا في المرحلة المتوسطة حين أطل علينا حسين يعقوب بهيئته الباسمة وشكله المربوع وضحكاته التي تملأ الأرجاء وتفسح الأمل.. كنا نتساءل أنا ورفقتي عن ذلك القادم لإدارة صرح كبير كالمعهد العلمي آنذاك الذي يمثل أعلى مؤسسة علمية وصلت لأذهاننا آنذاك، وكانت الإجابة بأنه (الشيخ حسين) وتعلمنا من تلك الفترة أن نستخدم مفردة الشيخ حينما نذكر اسمه. كنا نتعجب أنه ألمعي بلسان جازاني مبين، ونتعجب أنه متخصص في الشريعة مجالد ومجادل في قضايا دقيقة في العربية، ونتعجب أنه ملتزم لحد التزمت ومنفتح لحد الانطلاق، ونتعجب أنه إداري لدرجة الصرامة وشعبي مع المجتمع لدرجة البساطة.. سارت الأيام وحسين يعقوب معنا في المعهد العلمي يوجهنا حينما تشط بنا الأفكار ويشجعنا حينما يرانا على الطريق الصحيح، الجميع يحبه بشغف ويخشاه لصرامته.. وحين جاء المركز الصيفي وقد كنت بدأت أستشرف مراحل الرجولة في نهاية المرحلة الثانوية كان يعقوب بمثابة العين الراصدة التي تمتلك رؤية أوسع من أفكارنا الصغيرة.. كنا بحماس ديني عظيم نراه بصورة المعرقل للحماس الديني الذي في نفوسنا، وكنا باندفاع وحماس ديني أثار توجسه منا ومن فكرة المراكز. ولن أنسى أنا وصديقي ونحن في ثورة المركز حين كنا نتسارر في خفية ونرميه خفاء وعلناً بأنه يعرقل أفكارنا وما كنا نؤمن به من مشاريع حيوية وخطب حماسية امتدت لأماكن بعيدة من بلدتي قنا وما جاورها، بل إن شئت فقل بداية مشاريع جهادية لشباب غر امتلأ حماسا حتى فاض الحماس على نزق قد يمس معتدلا لحسين يعقوب. تمسك يعقوب بخطه المعتدل وذهب الحماس جفاء وبقي خط يعقوب الديني والوطني المعتدل الذي عدنا جميعا لحرمه بعد أن أفرغت الشحنات العاطفية. كان يعقوب ينتمي للمكان الذي أحبه كما لم يحب، فبقي فيه يمتلك أصدقاء كثرا ويمتلك خلا اصطفاه هو محمد بن يحيى، اصطفاه على غيره حتى عرفا في المنطقة بالتوأمين اللذين لا يفترقان كنموذج على الحب الصادق الذي ينأى عن المصالح السطحية .. وبقي هذا الحب متعمقا حتى فارق الحياة .. كان يحكي لي كثيرا عن مواقف خفية نبيلة لحسين يعقوب قد لا يحب الحديث ذكرها.. أحب قنا وكتب لها وعنها، وسعى لتطويرها علميا وإداريا وثقافيا بكل ما تيسر له من وجه وجاه، وكتب لقنا شعرا على مثال: يا قنا الشهد قد أنخت ركابي... فاقبليني بلوعتي وودادي كنت في المرحلة الأخيرة من الثانوية، وكان التنافس بين المعاهد على أشده، وكان يعقوب في قلب المنافسة وحلمه أن يرفع سمعة معهد قنا، وكان يتأمل في شخصي أن أكون واحدا من العشرة الأوائل على مستوى المملكة .. وجاءت الاختبارات وكان وأنا في ترقب وتوجس، لم يتحقق الأمل وكانت الصدمة أن تكون مادة (الإنشاء) هي المادة التي خطفت سبع درجات كان يمكن أن تحقق أمله في تحقيق حضور المعهد في منافسة علمية مهمة، وبقيت معه فترة طويلة بعدها ونحن نتذاكر ذلك الأمل الذي استرق...! عاش شغوفا بالمعرفة إلى آخر حياته، وحين زرته في المشفى كان يهمس في أذني بصوت لا أكاد أتبينه إن كانت الجامعة ستقبل تأجيله الدراسة، ملأت نفسه طمأنينة حين لم أكن أعلم أن التأجيل سيطول...! خروج: إن بكيناك فما يجدي البكاء؟! يا حبيبا علقت أرواحنا فيه وأضنانا الشقاء... أُهرقت أدمعنا وبكت أعيننا فتساورنا الدعاء كلما زرته وهو يواري الألمَ الغائرَ أشقانا البلاء كان في كلّ مقام يرتدي ثوب الصفاء... ويناديني بصوت خافت .. وحنون مثلما يدعو الإباء... يا حسين... قدر الله فلا نملك من قدر الله سوى أن نفديك بأنات العزاء كل شيء كان مما قدمت يمناك - يا (حسينٌ) سيكون الدرع في يوم الرجاء.....