حنان ضاهر إذا كانت مسلسلات الكرتون التي - في معظمها - تدور حول القتال والوحوش مشبعة بالعنف، والنصف الآخر يسوق للغباء والسذاجة والجنون، وكل شخصيات مسلسلات الكرتون الحديثة بلا استثناء هي مسوخ مشوهة، وليس لها شكل بشري واضح أو معروف، كيف لنا أن نتخيل ما تبنيه هذه الرسومات والشخصيات في ذهن الطفل الذي تحاصره هذه الشخصيات، وتلتصق به في معظم لحظات يومه، فهذه الشخصيات العجيبة تجاوزت شاشة التلفزيون إلى شاشة الآيباد والألعاب على الهواتف الذكية وعلى البلايستيشن، ومنها إلى ثيابهم وحقائبهم المدرسية، وكل مستلزماتهم الشخصية، إنها تستوطن عقولهم دون أدنى مبالغة!. خيال أطفالنا الجميل في خطر، فهذه الأشكال العجيبة هي ما تبني شكل الحياة في عيونهم، شكل رسوماتهم وخيالهم وطموحاتهم. والأمر لا يتوقف فقط على شكل الشخصية غير المنطقي، بل يتجاوزه إلى المضمون الذي تقدمه هذه الشخصية في قصصها التي تسوق في جزء منها إلى السذاجة والغباء والترفيه بالسخرية المفرطة، والجزء الآخر إلى العنف غير المبرر، وتقديم الحلول دائما في القضاء على الطرف الآخر، والانتصار بقتل العدو أو ضربه بكل الوسائل المتاحة!. لا عجب إذن، إذا ما لاحظنا على أطفالنا شذوذا في تصرفاتهم، في نموهم الجسدي، وأنهم متأخرون ذهنيا، في المصطلحات الغريبة التي تلفظها ألسنتهم الطرية البريئة، في التوتر الذي يصاحبهم، والعنف الذي يولد في تعاملهم مع الآخرين، في الصبر النافد دائما، وفي الخطوط الحمراء التي فقدت لونها في عيونهم. مرحلة الطفولة هي مرحلة حرجة جدا تنافس مرحلة المراهقة في حساسيتها ودقتها، ففيها تبنى القيم والمبادئ، وهي المرحلة التي نغرس فيها التعاليم البسيطة للإسلام في قلوب أطفالنا، ومع الأسف نحن نهدر هذه المرحلة المهمة في عمر أطفالنا على مشاهدة قنوات مسممة بمسلسلات الكرتون التي لا تشبهنا ولا تعكس بيئتنا، نشوش أطفالنا بين عالمين متناقضين جدا، بينما علينا أن نبسط لهم الحياة، ونهدئ من صخب التكنولوجيا الذي يقيد عقولهم ويحبس طاقاتهم. فقط لو وقفنا وقفة بين زمنين بين طفولتنا وطفولتهم، بين عالمنا وعالمهم، خيالنا وخيالهم، كانت الحياة في زماننا أسهل، كانت القيم واضحة بالنسبة لنا، نخطئ ونشعر بالذنب ونطلب الغفران، معنى المحبة والمشاركة كانا شيئا بديهيا عندنا، كانت صورة الخير والشر واضحة أمام أعيننا، لم نكن متطلبين جدا، وكانت أي لعبة صغيرة تبهرنا، ونخلق من خلالها مئات الألعاب!. أطفال اليوم فقدوا الانبهار، يركضون خلف كل جهاز حديث، الألعاب الإلكترونية تقدم لهم على طبق من ذهب، ولا تسمح لهم بابتكار ألعابهم الخاصة، صادرت منهم حق التفكير!. علينا أن نقلق على مستقبل أطفالنا، وأتمنى أن نعير هذا المستقبل الاهتمام الذي يستحقونه، فهل يكون لنا مسلسلاتنا الكرتونية الجذابة القيمية؟ وهل لنا أن نطلق سراح أطفالنا من سجن الألعاب الإلكترونية إلى عالم لعب يخلقونه بأنفسهم؟.