د. هذاب عبدالله الجوبان أستاذ علم النفس المساعد الإصلاح كهدف سامٍ لا يختلف عليه اثنان، كما لا يختلف الاثنان ذاتهما على أهمية الإصلاح في استقرار المجتمعات وديمومتها، وقد يتفاوت الناس في فهمهم لطرق الإصلاح، بل قد نجد أن كلاً له طريقته في الإصلاح، لكن ما لا نقبله جملة وتفصيلاً هو المزايدة في موضوع الإصلاح والتربح من خلال هذا المفهوم السامي، لتحقيق أجندة خفية باتت رائحتها تزعج الأنوف. ولعل سائلاً يسأل ماهية الطرق والقنوات الإصلاحية التي نستطيع من خلالها أن نحافظ على وطننا ومجتمعنا وترابطنا واستقرارنا وفي نفس الوقت نرقي ونرتقي بالمجتمع ومؤسساته بما فيه الخير والنفع؟ لقد انطلقت مسيرة الإصلاح في هذا البلد بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وبدأنا نرى خططا إصلاحية ابتداء بانتخاب نصف أعضاء المجلس البلدي، وتطوير التعليم وإنشاء لجان محاسبة ولجان تحقيق لمحاسبة المقصرين ومكافحة الفساد وغيرها من الخطوات التي لا تخفى على الجميع، والإصلاح لا يكون بين يوم وليلة، بل خطوة خطوة، كي يكون هذا الإصلاح منهجيا ويقوم على أساس قوي يضمن بقاءه واستمراريته بتطور الزمان، كما أن الديمقراطية المتغنى بها التي أهلكت الحرث والنسل في كثير من الدول لا تأتي دفعة واحدة بل بخطوات تدريجية، كي تنضج تجارب الشعوب وحسهم بالمشاركة الوطنية، فالإنسان الذي لا يوجد لديه حس وطني لن يكون عنصرا فعالا في بناء مؤسسات المجتمع المدني، ونحن نرى بعض الشعوب من حولنا كيف أنها مارست الديموقراطية بوجهها البغيض فأهلك النسل والحرث. ولعلنا نتساءل عندما نسمع هنا وهناك وفي الغرف المظلمة والقنوات المضللة التي تدعي الإصلاح، وهي عن الإصلاح أبعد ما يكون، وكيف أن هذه الغرف تؤثر في عقول شباب شربوا من ماء هذا الوطن وترعرعوا على ترابه وتعلموا في مدارسه وجامعاته، وإن كانوا قلة إلا أننا يجب ألا نضع رؤوسنا في التراب ونكون صريحين في معالجة قضايانا ونبتعد عن التنظير المتملق وادعاء المثالية والنموذجية التي لا تخدم هذا الوطن ولا أهله بل العكس قد يكون هذا التنظير وادعاء المثالية والنموذجية هي السبب الأوحد الذي يجعل هذا الشباب ينجرف نحو مثل هذه المنابر التي تدعي الإصلاح، وتزج بهم في متاهات لا يعرف من أين تبدأ لكننا نعرف يقيناً أين تنتهي. وكي نصل لعلاج فعال لا بد أن نشخص السبب، فالطبيب الذي يصرف العلاج دون أن يشخص السبب يقع في إشكال قد يؤدي إلى ضرر أكبر، ولعلنا في هذه الوقفات نشخص بعض القضايا التي ما هي إلا سبب من جملة أسباب أسهمت في الوضع الذي نعيشه الآن، فما زال لدينا إشكال في مفهوم الوطن والوطنية، ففي الوقت الذي نرى فيه شعوباً تقدمت بمراحل شاسعة في تربية الأجيال على حب الوطن والانتماء، نجدنا وبكل شفافية قد تأخرنا كثيراً في هذا المفهوم وذلك لعدة أسباب أبرزها: • ظل التوجه الديني لوقت طويل لا ينظر إلى الوطنية كما ينبغي وذلك بحسن نية، ويرى أن الانتماء يجب أن يكون للدين والأمة وبذلك تكون وطنيتك شاملة، وهذا بلا شك مفهوم أوسع وشمولي لكن الأجيال لم تفهم الرسالة وظنت أن حب الوطن والانتماء إليه نزعة قومية تخالف الدين فعاش الجيل باعتبار وطنه العالم وانتمائه للأمة، فعندما وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على مشارف مكة نظر إليها وقال: والله إنك أحب البقاع إلى قلبي لولا أن أهلك أخرجوني. وهذا دليل صريح أنه لا إشكال شرعي في حب الإنسان لوطنه والانتماء له، بل بوجود الوطن توجد العدالة ويقام الشرع ويكون الأمن والأمان، ويحصل الإنسان على حقوقه بوجود الوطن. • ظلت المناهج الدراسية لوقت قريب تحلق بعيداً عن الوطن والوطنية، وعندما أردنا أن نتدارك ذلك استحدثنا مادة الوطنية التي أنفقت فيها الأموال الطائلة واللجان المتخصصة لكن النتاج كان خديجاً بما تعنيه الكلمة، فالمادة لا قيمة لها، بل محل تسلية لدى الطلاب من خلال طريقة العرض والتقييم والمواضيع المقدمة فيها. وأصبحت مادة الوطنية فرصة للعب والمرح والتسيب في أسوار المدرسة، كيف لا وهي فرصة للخروج للملاعب والصالات الرياضية والتسلية وكأننا نكرس في نفوسهم أن قيمة الوطن بقيمة هذه التسلية والمتعة، بل أشد من ذلك أن هذه المادة تعطى للمعلم الكسول والمتسيب أو الذي يحتاج لوقت راحة واسترخاء (إلا ما رحم ربي)، كما أنه لا يوجد رسوب في هذه المادة لأنها وطنية والناس كلها تنجح في الوطنية! • الأسرة وهذا مربط الفرس فالطفل الذي يربى على المحافظة على نظافة ملابسه وحديقة منزله وكتبه، لم يرب بنفس الدرجة على حب مدرسته والمحافظة على نظافتها، ولا على مرافق ومقدرات المجتمع، تجد الطفل عندما ينتهي من علبة العصير يرمي بها في أي اتجاه وليس في المكان المخصص، لكنه في منزله لا يمارس هذا السلوك، لذا نحتاج أن ننمي فيهم الشعور بالمواطنة.