في قرية "جاي" الواقعة في ولاية "بيهار" شرق الهند عاش الفلاح (داشراث مانجي) المولود في هذه القرية النائية المعزولة عام 1934، وذات يوم أصيبت زوجته إصابة خطرة جدا، وبسبب بعد المسافة بين المستشفى والقرية والطريق المتعرج الطويل والبالغ (70) كيلا، لم تصل سيارة الإسعاف في الوقت المناسب. ماتت زوجة داشراث بين يديه، وهو ينظر إليها نظر العاجز الذي لا يملك من الأمر شيئا! طلب داشراث إلى الحكومة أن تشق نفقا في الجبل الذي تسبب في عزل القرية؛ لاختصار الطريق، وحتى لا تتكرر المأساة لآخرين من أهل القرية الذين أحبهم بصدق، لكن طلبه قوبل بالتجاهل. قرر الفلاح الفقير قليل الحيلة أن يتصرف بنفسه كي ينهي مأساة أهل القرية ومتاعبهم. أحضر داشراث فأسا ومعولا، وقرر أن يحفر بيديه طريقا صخرية برية في وسط الجبل. سخر منه أهل القرية، واتهموه بالجنون، وأنه قد فقد عقله بعد رحيل زوجته!! يقول غاندي: "في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر". بدأ داشراث العمل في شق الطريق في عام 1960، وعمره 26 عاما، وأمضى في حفر الطريق 22 عاما، يعمل يوميا من الصباح الباكر إلى حلول الظلام دون كلل أو ملل حتى أنجز المهمة في عام 1982، وعمره آنذاك 48 عاما! لم يكن داشراث يملك إلا المعول والفأس، وإرادة شديدة البأس، وخيال الزوجة التي قضت بين يديه في لحظات الرجاء واليأس. نجح الفلاح المنهك داشراث في شق طريق بطول 110 أمتار، وبعرض 9 أمتار، وبارتفاع 7 أمتار؛ لتصير المسافة بين قريته والمدينة 7 كيلو مترات فقط، بعد أن كانت 70 كيلو مترا، وأصبح باستطاعة أطفال القرية الذهاب إلى المدرسة، وصار الإسعاف يصل في الوقت المناسب. لقد نجح ذلك الفلاح البسيط بذراعيه، وبإرادته التي قهرت الصخور الصلدة طوال (22) عاما أن يفعل ما لو فعلته الحكومة لأنجزته في أشهر! لقد استطاع الفلاح أن يرسم لوحة السعادة للآلاف من أهل قريته بعزيمة لا تعرف الهزيمة، وإرادة تحب الإجادة. تم إطلاق لقب "رجل الجبل" على داشراث، وأنتج فيلم سينمائي يروي قصته. رجل واحد غير شكل الحياة، واستطاع أن يجعل القرية المعزولة قرية مندمجة مع المجتمع، وبدد مخاوف السكان، وأزال متاعبهم. كل هذا جاء بعزيمة ذلك الفلاح البسيط الذي حمل في داخله نفسا كبيرة استسهلت الصعب، وجعلت من قطرات العرق وقودا يعطي الطاقة، ويحفر الصخر. لقد تلاشى خوف أهل القرية، وأشرقت شمس حياتهم من جديد، وأحس داشراث بطعم السعادة، وارتسمت البسمة على الشفاه الحزينة التي ما برحت تذكر الزوجة الغالية التي فارقت الحياة بسبب التقاعس والإهمال. مات داشراث في 2007، وأقيمت له جنازة رسمية من ولاية "بيهار". هكذا هم أهل النفوس الكبيرة الذين يدركون أن النجاح لا يأتي إلا من طريق الصبر، وأن الإبداع يتجلى من سبيل المعاناة، وفي هذا يقول شاعر العربية المتنبي: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام أيها الإنسان، كن ذا نفس كبيرة، تشتغل بعظائم الأمور، وتشتعل بوقود الصبر والتوكل؛ لتكون حياتك ذات قيمة، وهي الحياة، وهي الحياة!