لا مشاحة في أن خالدا الفيصل "الشاعر والفنان"، كما هو "الأمير الحاكم"، وكما هو "المفكر العربي"، يواصل صناعة عالمه الخاص في الإبداع، متجاوزا العادية والنمطية والتقليدية، متكئا على قاعدته العقدية، وولهه بوطن يسكنه، وإرثه لنسب يعشقه، أقول ذلك كشاهد عيان، جنديا في كتيبته لنحو عقود أربعة، كان لي من خلالها شرف معايشة هذا الامتياز في المجالات الثلاثة، وأعترف أن جُلّ ما حظيت به من علم وتطبيق، كان من ثمار هذه الأكاديمية المتفردة إبداعا وعطاء لبناء الإنسان وتنمية المكان، من رعاية الشباب إلى ولايته أقدس مكان. وإذا احتشد الناس على البحر، يلتمسون أَحياءه أو حتى درره، فإن صاحبنا لا يقنع، بل يسمو بفكره في الآفاق إلى السماء ينشد الأعظم، وإذا اطمأن غيره إلى السير في طريق الغابة المعهود، فإن صاحبنا كما قال الفيلسوف يسير عكس الاتجاه، لكنه أبدا يفوز بالصيد الأثمن. عهدناه كذلك في ابتكاره دورة كأس الخليج، واستحداث الإستادات الرياضية في رعاية الشباب، وفي "مفاجأة" السياحة مصدرا رئيسا لتنمية عسير، وفي حشده سنامات الفكر العربي تحت مظلة مؤسسة حرة، تمثل بصيص الوحدة الفكرية في عالم الشتات العربي، وأخيرا في رؤية انطلقت بها مسؤوليته الجديدة "من الكعبة وإليها"، وتحت هذه العناوين وغيرها كثير شرح يطول، بما يؤكد نظرية العالم الخاص لخالد الفيصل. وهو نفسه في شعره ولوحاته، ينأى عن المطروق ويعاف المستهلَك، ويحرص على الانفراد بالمرمى ليسجل الأهدافَ المفاجئة. وها هو يزخ في هذه الصحيفة الأربعاء الماضي عطر الشعر وشذاه، ومخزون الحكمة إلى مداه، في رائعته "حياة الايام"، لا يلتقط المعاني المطروحة في الطرقات كما يقول الجرجاني شيخ النقاد بل يبتكر المعنى الموسوم بخاتمه الخاص، مستعرضا قدراته البلاغية وخبراته اللغوية التي تأتيه عفو الخاطر من مخزونه بلا تعقيد ولا تطويل، ولا استغراق في التغريب، ويزخم المبنى القليل بالمعاني الكثيرة، يستهلها بأبيات ثلاثة، تشد عزم العطائين، وتنبه غفلة القاعدين، فحياة الإنسان لا تحصى بسني حياته من الميلاد إلى الوفاة، ولكن بما قدم فيها من أسباب الحياة، وما أروع توظيفه ومقاربته بين المصطلحين "أيام الحياة" و"حياة الايام" اللذين نحتهما من رصيد خبرة محنكة، وثقافة متنوعة شاملة. لا تحسب أيام الحياه إحسب حياة أيامها ما في عددها مبتغاه لكن حصيل ختامها العمر مرهون بعطاه لو طال به مقامها وما كان لشاعرنا الحكيم أن يبرز هذه الحقيقة كقرص الشمس في كبد السماءْ إلا بهدف أن يعرض لحالَي الإنسان تجاه هذه الحقيقة: فإما الغواية واتباع الهوى، وإما خَطب المهام العظام بكل العزم والهمة، واستحقاق صفحة ناصعة في تاريخ الأمة، كما أن الإنسان بين خيارين: إما أن يسلط وعيه وهمه وعمره على الأرض وما حوته من طين ونفايات، أو أن يكون من حُوام الأعالي، ينشد المعالي هذا مشى يتبع هواه وهذا يقود زمامها وهذا عيونه في ثراه همّه يحوش رمامها وهذا عيونه في سماه يحوم معْ حوّامها ثم يعلق الشاعر جرس التنبيه والوقت يبغي من وَعاه ما هو مَعَ نوّامها والعلم مفتاح النجاه والجهل هو هدّامها العالم يسابق خطاه كلٍّ يشد حزامها متى نبي نلحق مداه إن ما حسمنا حسامها وها هو يلتفت إلى الوطن الساكن معاهدا يا موطن العز وهواه للمجد نطوي خيامها نبني على ما قد بناهأبطالها وحكامها ثم يُسقط أعذار المحبِطين، فكل مقومات الرقي والصدارة ها هنا وش عذرنا وربي عطاه خيراتها واسلامها وشيخٍ وشعبه من وراه مِقدامها قِدّامها وفي ختام ملحمته الوطنية الرائعة يتوجه الأمير الشاعر، إلى رائد النهضة الممنهجة، وحادي المسيرة المظفرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يحفظه الله. يافارس الوقت ورجاه حقق لها أحلامها