في مقال قديم لي بعنوان "هدية العيد" تحدثت عن أهمية العواطف المتبادلة بين الطفل ومن حوله في بيئته من أجل أن ينشأ سوياً، مستقراً نفسياً، محباً للناس. ومع تقدم عمر الطفل فإنه يدخل في مرحلة التمييز. وهذه المرحلة تبدأ في سن السابعة حسب رأي الدكتور عبد العزيز النغيمشي، الأستاذ في علم النفس. ويضيف بأن هذه المرحلة تجمع بين أمرين مهمين، أولهما: درجة من النضج تكفي للتدريب والتعليم واكتساب المهارات، وثانيهما: مرونة وصفاء واستعداد للاستقبال والتأثر. ومن هنا كان التوجيه النبوي الكريم بأن يؤمر الطفل بأداء الصلاة وهو ابن سبع. فالطفل في هذه المرحلة إنسان جديد في الحياة لا خبرة لديه في كثير من الأمور، ولا عادات متأصلة فيه يصعب التغلب عليها، ولا قناعات متعمقة تحتاج إلى حجج لتغييرها، ولا قدرة عقلية تسمح له بالاعتداد بالرأي. ولهذه الأسباب يجب الاهتمام بالأطفال في هذه المرحلة اهتماماً بالغاً لصقل مواهبهم وإكسابهم المهارات المناسبة والخبرات الكافية، بل، والأهم من هذا، من أجل تربيتهم تربية متوازنة بعيدة عن الإفراط والتفريط، وذلك لينشأوا أهلاً لحمل المسؤولية في أيامهم المقبلة وحياتهم القادمة. وهذه العواطف المتبادلة لا يقتصر أمرها على البيت، بل لا بد أن تمتد إلى المدرسة وإلى المجتمع بحيث نستطيع أن نربي أبناء المجتمع كلهم على حب الآخرين وحب الخير لهم ليكون لدينا مجتمع متماسك يسعى أفراده كلهم لخيره وخير من فيه. وعنوان مقالي هو في الحقيقة عنوان ديوان شعر، صغير في حجمه، ولكنه كبير في وقعه وأثره وشعره وإبداعه، وهو للشاعر سليم عبد القادر، ذاك الشاعر الهمام الذي كتب عدة دواوين شعر كأناشيد تربوية للأطفال. وفي هذا الديوان تسع قصائد تربوية رائعة تغْني عن عشرات من الخطب والمواعظ والنصائح في موضوعها. إنه يجعل الطفل - وهو ينشد هذه القصائد ويرددها – يتشرب معانيها بسلاسة وسهولة ويسر، فتتسلل إلى قلبه الصغير وتفجر فيه حب العالم من حوله. إنها تعلمه حب "أمي" و "أبي" و "إخوتي" و "جدتي" و "جاري" و "أصدقائي" و "مدرستي" و "وطني". وهذه هي في الحقيقة عناوين القصائد الثماني التي تلت القصيدة الأولى والتي عنوانها "إني أحبكم" والتي جعل فيها الشاعر قلبَ الأم ينشد للأطفال ويبين فيها أن أيام العمر كلها تدور حولهم. ولقد كان الشاعر موفقاً جداً في اختيار عنوان الديوان، فالديوان – بحق – يفيض بالحب في كل قصيدة من قصائده، بل في كل كلمة من كلماته. والطفل – وهو ينشد هذه القصائد – يتعلم منها حب كل ما حوله، ويبتعد عن النظرات التشاؤمية التي ينشأ عليها بعض الأطفال ممن لم يُحاطوا بالحب والحنان. إنها النظرة الطيبة التي يجب أن نربي الأطفال عليها لينشأوا نشأة مستقيمة تنظر إلى العالم بعين الحب، وليكونوا قادرين على نشر الحب والخير فيه. وهذا هو بالضبط ما يغمر به شاعرنا هؤلاء الأطفال من عواطف جياشة مليئة بالحب، فكان ديوانه "نبعاً للحب" يرتوي منه الناس بالحب، ويسقون منه الحيارى والظامئين، فتُنبت مُهجهم حُباً، وتورق أبدانهم حُباً، وتزهر قلوبهم حُباً، وتثمر أفئدتهم حُباً، وتمتلئ الأرض بالحب والمودة، وينتشر الوئام بين الناس، وتسود بينهم معاني الخير والعطاء. ففي قصيدة "أمي" يرسخ معنى حب الأم التي هي حياة الروح، والتي يجب أن تكون أغلى من كل شيء في الدنيا، فهي ينبوع الحب الذي يسقي عمر الأولاد حتى يزهر، ويملأ حياتهم بالأحلام. وأما "أبي" فإن حضوره سعادة وقربه محبب، وهو الذي يحيا ويتعب من أجلي، ويكفي أنه أبي لكي أحبه. وأما "إخوتي" فهم ضياء بيتي وأصدقائي في كل وقت، وأعز شيء في حياتي. وأما "جدتي" فهي حلوة البسمة، وحبها ساكن مهجتي، وهي التي أنفقت عمرها كله في العطاء، ترتجي أجرها من إله السماء. وأما "جاري" فصباحه ضاحك حلو كالمسك والعنبر. وأما "أصدقائي" فهم في ألفة ومحبة وسرور، والصداقة كالربيع يضم في روضه الجميع. وأما "مدرستي" فهي التي ترسم لي دربي وأمنيتي، وهي التي تمنحنا العلم ونحن نمنحها الحب. وأما "وطني" ففيه ملاعبي الحلوة، وفي كل منعطف لي فيه قصة وغنوة، وأمجاد أمتنا مرسومة في هذي البلاد، ولذا فنحن بالروح نفديها. وتنساب من قصائد الديوان كلها نغمة موسيقية ممزوجة بالمرح، تنبعث من بحور الشعر القصيرة التي اختارها الشاعر، ومن ألفاظه الفصيحة المتخيَّرة، فجاءت شجية الإيقاع حلوة النبرات تصور المودة الغامرة والحب الدفين. ومما زاد في جمال الديوان أنه مطبوع بالألوان، ومملوء بالرسومات المناسبة للأطفال. على أن الأهم من هذا هو ذلك الجهد الذي بذله الناشر في تقديم الديوان مسموعاً ومرئياً "على أشرطة وأقراص مدمجة وعلى الإنترنت والقنوات الفضائية" إضافة إلى النسخة المقروءة. وقد قامت بإنشاد قصائده فتاة لعلها تفوق في أدائها بعض المشاهير، وتجذب الأطفال لكي يغنوا معها ويرقصوا على أنغامها. كلية الهندسة جامعة الملك عبد العزيز nahasm@ ahoo.com