بقدر ما تمثل التكنولوجيا الحديثة وأجهزة التواصل دفعة إلى الأمام في تطور حياة الإنسان، وبقدر ما تمثل من حافز للأبناء للاجتهاد في الدراسة، وكعنصر مساعد بدرجة كبيرة في عمليات التعلم وتوسيع أفق الأطفال، بقدر ما أصبحت خطرا يتهدد أخلاقيات أبنائنا وتكوينهم الوجداني، بنقلها أفعالا وأقوالا لهم يرفضها ديننا الحنيف وتأباها عاداتنا وأخلاقنا الإسلامية والعربية في قوالب ترفيهية ومسلية تسهل تسربها وتسللها إلى نفوس الأطفال دون أن يشعر أحد بذلك. وألعاب "القمار" خاصة "البوكر" و"الروليت"، هي أحدث تلك المنتجات الغربية التي يحرمها الإسلام، ومع ذلك بدأت تتسرب إلى داخل بيوتنا ليعتادها، بل ويدمنها أبناؤنا عن طريق شبكة الإنترنت. وتروي لنا المواطنة أم خالد قصة اكتشافها إدمان ابنيها تلك الألعاب، دون أن تدري من خلال الحوار الذي استمعت له مصادفة بينهما، وكان كما يلي "سرقت مني آلاف الدولارات من غير وجه حق، واعلم أنك سلكت طرقا غير شريفة للنيل من مالي الذي تعبت كثيرا في جمعه" وتقول: "ارتفع الصوت شيئا فشيئا بين الاثنين وسرعان ما تحول إلى تشابك بالأيدي بينهما" وتتابع: في بداية الأمر صعقت من سماعي لحجم المبلغ المالي الذي استطاع أحدهما جمعه، وبدأت أضرب أخماسا في أسداس، وما إن أنهيت الصراع بينهما، حتى بدأت في الاستفسار عن تلك المبالغ، فأخبرني ولدي خالد بأنه جمعها من خلال لعبة "البوكر" من على الإنترنت، ولكن أخاه سيف سرقها منه بالغش، وتابعت أم خالد قائلة: طال الحديث بيننا إلى أن توصلت إلى أن أطفالي يتدربون على لعب القمار في الصغر دون أي وعي من قبل الأسرة التي غالبا لا تبالي بتسمر الأبناء أمام شاشات أجهزة الكمبيوتر بمفردهم ودون رقابة. أنهت أم خالد حديثها وأصبح جليا أن التسلية ودفع الملل أسباب تدفع عددا من الشباب والأطفال لممارسة مثل تلك الألعاب في ظل صمت وجهل الأهل بها ومنها ما يدربهم ويعودهم بشكل أو بآخر على لعب "القمار" عبر المواقع الإلكترونية، بيد أن تسارع وتيرة التطور التكنولوجي وزيادة المواقع التي تتيح لروادها هذه الألعاب لا سيما لعبة "البوكر" ساهم في انتشارها. ويجد فهد الفرحان "16عاما" في لعبة البوكر فرصة للربح المادي والوهمي، ويتفق عبدالله "17 عاما" مع زميله فهد في أن اللعبة فرصة للتعرف على أصدقاء جدد من جميع أنحاء العالم، مشيرا إلى أن طاولة اللعب مفتوحة، ويمكن أن يوجد عليها عدد كبير من الأشخاص متعددي الجنسيات. ومن جهتها تؤكد "ماجدة" أن "البوكر" أصبحت لعبتها المفضلة، لافتة إلى أنها تقضي معظم وقتها في محاولة الحصول على أعلى نقاط للربح أثناء اللعب. وعن سلبية اللعبة وأنها قد تقود الفرد إلى كسب المال بطرق غير مشروعة قالت: لا، فإنها مجرد لعبة لكسر الملل وتضييع الوقت. ولم تخف أم جابر قلقها عندما سمعت طفلها الذي لم يتجاوز الثانية عشرة وهو يقول لها: إنه سيركز في المستقبل على الاحتراف في لعبة البوكر، وإنه اليوم يلعب بمال افتراضي، ولكنه سيكون سعيدا في حال كانت تلك الأموال حقيقية، وقالت أم جابر: أدركت أن تلك اللعبة ستجعل من طفلي محترف "قمار" من سن صغيرة، دونما أي وعي مني، وهذا ما جعلني ألجأ إلى استخدام لهجة التهديد بقطع شبكة الإنترنت عن المنزل إذا لم يدرك أن هذه اللعبة وكل الألعاب المماثلة "حرام"، وتهدد منظومة القيم الأخلاقية والفكرية لدينا. وتؤكد أخصائية التربية الأسرية مسفرة الغامدي، على ضرورة متابعة الأطفال خاصة في تلك الألعاب التي تعرض على المواقع الإلكترونية، وشددت الغامدي في هذا السياق على تعزيز التربية داخل الأسر والتأكيد على التنشئة المبنية على القيم السامية والمشجعة على الإبداع، وإشغال أوقات الفراغ بكل ما هو مفيد وإيجابي. وحذرت الغامدي مستخدمي الإنترنت، وخاصة فئة الشباب من الانجراف خلف ألعاب تسرق الوقت وتهدر المال، وأن يحرصوا على استخدام الإنترنت في الحدود المسموح بها دينيا واجتماعيا وعلميا. بينما لا ترى أخصائية الإرشاد النفسي مريم العنزي في الترويح عن النفس بالطرق السليمة، شريطة ألا تتضمن الألعاب عبر الإنترنت أو مع الأصدقاء أي مراهنات مالية يدفع بها الخاسر لصالح الفائز حتى وإن كانت بطريقة افتراضية، وفسرت ذلك بخشيتها من أن يتعود الأطفال على هذا الكسب ويمارسونه في الكبر لكسب الأموال بطريقة سهلة وسريعة. وحذرت العنزي من التأثيرات النفسية السلبية على كل من يلعب بمثل تلك الألعاب عبر الإنترنت، خاصة في حال عدم وجود ضوابط على الشبكة العنكبوتية.