يتبيَّن للمتلقي صور كثيرة ألقت بظلالها في الآونة الأخيرة من وقائع ما يُسمى بالربيع العربي، تغيرت أجواء بعض الشعوب العربية وتجلت فيها أنماط ثقافية لم تكن تتأصل من بين ثقافاتها المتعددة، فالتغير الدعوي شكل من أشكال هذا التغير الديناميكي الحركي الذي يتواكب مع منطلقات ومطالبات العديد من فئات تلك الشعوب التي لم تزل تطالب دوماً بالإصلاح المنبثق من بدهياتِ التغيير السياسي فضلاً عن تغيرات عدة من واقع هذا الحال المتغير الذي آل إليه المآل بحكم الظروف التي عصفت بالمشهد العربي الراهن، إما في الدعوة أو في رواق السياسة العربية التي أخذت منحى التغيير لما فيه مصلحة السائد العام للشعوب والدول.. كانت بصمة الفن هي الأخرى انتهجت ذات المسار المتأصل في الشأن الدعوي! ، تبلورت فكرة الرسالة الفنية بحاضرها المتنوع خلافاً لما كانت عليه قديماً وآنياً في تأطيرها ضمن العمل الفني البحت، دونما الشروع إلى إدخال مضامين الدعوة ومحاولة الصعود إلى العتبات الموصلة إلى المنابر الدعوية التي كانت حكراً لكثير من الأئمة والمشايخ في شتى دول العرب، بيد أن هذا العمل يأتي موائماً لحركة التغيير الداعية إلى الإصلاح كما يُعبر به بعض أهل الفن الذين كانوا في حالٍ أبعد ما يكون عن النمط السياسي وتغيراته الآنية.. كثيرة هي الوجوه الفنية التي اجتذبت شريحة - عريضة - من المتابعين، لذا فإن استغلال هذه الشعبية المرادفة لبعض الفنانين الغنائيين آثرت لهم أن ينتهجوا مسارات فنية جديدة كالإنشاد على سبيل المثال! لما له أيضاً من النصيب الكبير من المتابعة من قبل شرائح اجتماعية واسعة وإن كانت مؤطرة في النطاق الديني واجتذاب أكبر عددٍ ممكن من المتلقين ممن يحظون بتقدير هذه الخطوة في قالب فني مقارب إلى الدعوة أكثر منه مساراً فنياً لا يحيد عن المسار الفني بقدر ما هو أحد عناصر هذا الجذب الدعوي فقط، لذلك فإن الفن لم يُصبح مجرد رسالة ضمنية ذات طابع غنائي خاص، وإنما تحول هذا المفهوم إلى كونه واحداً من أنماط وأشكال الدعوة بذات الأدوات الفنية، وهي ذاتها الحناجر التي كانت في السابق تصدح غناء وطرباً تبدلت بألحان الغناء نحو تلحين الجُمل الشعرية لتستقر إلى عمل فني باسم الإنشاد الديني والدعوي، بعيداً عن تفاصيل الأحكام الدينية فيما هو حلال أم حرام حينما يتذرع المطرب سابقاً - المنشد حالياً - بكل أدواته الفنية أو آلاته الموسيقية والإيقاعية التي كان يعتمد عليها لإبراز أي من أعماله الغنائية بحسب ما يتسق مع ذائقة جمهوره الذي نال محبته لنجاحاته السابقة، ثم يبحث عن نجاح مماثل في الجانب الدعوي الذي اعتدنا متابعته ضمن تقديمه من قبل عدد من المتدينين في الإعلام وغيره.. ويبقى القول أخيراً بأن المسألة الدعوية قد تمنح كل من لديه عرض فني هدفه الدعوة في نهاية المطاف، بل إننا أصبحنا نسمع عن تحولات متباينة لبعض المطربين العرب - وفي الخليج كذلك - لاستبدال الجذب الغنائي بالنسبة لهم لبلورتهِ في إطار الدعوة إلى الله، ولا شك أن الوسائل الإعلامية بمختلف أشكالها التي تتبنى هذا النهج قد تمنحهم مزيداً من الأضواء والشهرة عطفاً على شهرتهم سلفاً في المجال الفني السابق، لكنما الهدف قد تغير بتغير الأذواق ومن البديهي أن الجاذبية الدعوية من قبل متذوقي الفن الغنائي أو الإنشادي - رغم اختلافهما - هو المقياس ومعيار النجاح في النمط الدعوي الجديد!