"عندما دخلت.. ألقيت التحية على والدي، وأمسكت برأسه وقبلته، ولكم خالجني شعور بالفرحة حينها، فامتلأت زهوا بهذا الفعل الذي لطالما كنا نتسابق عليه صغارا، حيث اعتدنا على تقبيل رؤوس من يكبرونا في العمر، سواء والدينا أو أقاربنا أو جيراننا، فهو دليل على حسن التربية والتقدير، الذي نحن في أمس الحاجة إليه في وقتنا الحالي". هذا ما قالته منيفة فرحان الحبلاني، والتي تجاوزت الثمانين من العمر، وأضافت أن "هذا الجيل أهمل تلك التقاليد والأعراف الحسنة، في ظل عالم التقنية المخيف الذي شغلهم حتى عن أساسيات الاحترام والتقدير لكبار السن، بمباركة من والديهم المنشغلين أيضا في صنوف الأعمال اليومية داخل المنزل وخارجه". تلك الرسائل ومن بينها "القبلة على الرأس" تعلمنا صغارا أن تمنح لمن هم أكبر منا في السن سواء من المقربين أو غيرهم من كبار السن، فما تأثير تلك الإشارات الإيجابية على كبار السن ؟ وهل بالفعل طواها الزمن كما ذكرت الحبلاني؟ وما السبيل لاستعادة مثل تلك الأبجديات في التربية؟ وهل تبدو مستحيلة في زمن الانفجار التقني ؟. أما أم سعيد فتعبر عن سعادتها لاعتياد حفيدتها تقبيلها على الرأس كل صباح، بعد أن عودها والدها على ذلك، تقول "عندما تقبل حفيدتي بدرية ذات السبع سنوات رأسي يبادرني شعور بأن الدنيا بخير، وأن هناك من يقفون على أبجديات الاحترام والتقدير أقصد والديها". وتابعت قائلة "عندما تذهب حفيدتي أدعو لها بالبركات في حلها وترحالها، وأن يكثر الله من أمثالها، ويحفظ لها والديها اللذين حرصا على تعليمها تقدير كبار السن". تقول "أم مشعل" التي تجاوزت السبعين من العمر وعرفت بالدعابة وخفة الظل: "لا أرغب في تقبيل أحفادي لي على الرأس، ولكن أطلب مادون ذلك وهو الاحترام، وعدم إزعاجي بتلك الموسيقى الصاخبة التي تنطلق طوال اليوم من غرفهم المجاورة لغرفتي، دونما أية مراعاة لشعوري كمسنة أنام باكرا، واستيقظ باكرا لصلاة الفجر". وعن طريقة إلقاء التحية عليها ضحكت وقالت: "أريد فقط معرفة معنى الكلمات التي يلقيها علي أحفادي، فحفيدتي يارا وهي في المرحلة الثانوية عندما تراني في الصباح تقول: "أنت أحلى جدة "كيوت"، و"هاي"، وترسل لي أحيانا قبلتها على الهواء. من جانبها قالت أخصائية التربية الأسرية مسفرة الغامدي "للأسف العديد من إشارات احترام كبار السن سواء من الأقرباء أم من غيرهم، اختفت، ومنها تقبيل الكبير على رأسه، فتلك القبلة كانت لها مدلولاتها العاطفية الكبيرة لدى كبار السن، فهي تذكرهم بأنهم لا يزالون يتمتعون بمزيد من الاحترام والتقدير، وأن المجتمع لا يزال يتشبث بتلك العادات والتقاليد الطيبة". وأضافت أن "من الأمور التي نتمنى أن تختفي من مجتمعنا قلة احترام كبار السن، فعندما نرى أطفالا يتعدون على المسنين في الشارع، وسبب هذه السلوكيات السلبية عدم وجود التوجيه من قبل الأسرة"، مشيرة إلى أن صغار السن يجهلون الحقوق الواجبة عليهم تجاه الكبار، وهنا يأتي دور التربية الأسرية، خاصة في ظل ثورة التقنيات واللهو المستمر في الأجهزة الذكية.