تعقدت الحياة إلى الحد الذي غيّب دورالآباء والأجداد في النصح والإرشاد، وبات الفرد يأخذ المشورة من أصدقائه، ووسائل الإعلام، وقلّصت التربية الحديثة دور كبار السن في توجيه الناشئة، فتراجعت فاعليتهم؛ لكون أغلب هذا الجيل لا يؤمنون بآرائهم المختلفة تجاه أفكارهم العصرية على الرغم من خبرتهم الحياتية الطويلة، ليتشكل تكوين جديد في الأسرة مباينٌ لما كانت عليه في الماضي؛ حين كان الأبناء يعودون إلى من هم أكبر سناً قبل كل قرار يرغبون في اتخاذه. "الرياض" طرحت تساؤلاً عن دور رأي كبار السنّ في حياة الفرد، وهل نصائحهم مازالت سارية المفعول؟. أخذ وعطاء في البداية بيّنت "هند البكري" - طالبة جامعية - أنّ رؤية والدها وهو يقبل يد ورأس والديه أظهرت لها أهمية الارتباط الأسري المحفوف بالحنان والحب والطاعة، معترفةً أنها رفضت في بداية مراهقتها تبنّي آراء منهم أكبر منها سناً؛ لأنها فتاة ناضجة، وقد كبرت على النصائح والأوامر، وأنّها تخلَّت عن آرائهم بالرغم من إنزعاجهم، وأنّ ذلك لا يعني عدم احترامهم فهي تقدرهم وتتواصل معهم كثيراً، مضيفةً أنها توافق على تكوين صداقة مع أمها وجدتها، ولكن بحدود الأخذ والعطاء والاستشارة، وليس الأمر والنهي. فرض الرأي وقالت "عبير حسن" - متزوجة - :"نستطيع جميعنا أن نتعامل مع نصيحة الكبير عندما نقتنع برأيه، وفي الحقيقة العديد لا يقدمون على خطوة قبل أن يسمعوا من أهلهم رأياً في ذلك، ولا غرابة في وقوف الأبناء عند رأي كبار السن، على الرغم من أن العصر الحالي تختلف مؤشراته عن الأمس، وربما لأن الشباب الآن قد أطلقت حريته في تقرير ما يريد، في حين كان يفرض عليه سابقاً ولو تعارض مع قناعته ورغباته، أمّا اليوم فيستطيع أن يسأل كبير السن في موضوع يهمه، وهو في تمام الثقة بأن الرأي الذي سيحظى به، لن يُفرض عليه". التقرب من الأبناء يسهل إيصال النصائح والآراء «أرشيف الرياض» الاستقلالية و"الشيّاب" وأوضح "فهد الشمراني" أنه شخصياً يحب العودة لمن هم أكبر منه، ومن لديهم الخبرة في الحياة، خصوصاً والداه، وأنّ ذلك يشعره براحة كبيرة، مبيناً أنّ اتساع مساحة الاستقلالية بين أفراد الأسرة الواحدة وراء رفض الجيل الجديد أفكار كبار السن، بعكس اجيال الماضي؛ حيث لا يجرؤ أحدهم يوماً على اتخاذ قرار بانفراد دون العودة إلى "شيّابه". أفكار عصرية وأشار "عبدالعزيز القحطاني" إلى أنّ العلاقة مع الآباء اختلفت عما كانت عليه في الماضي، حيث لا يجرؤ أحدٌ على أن ينفرد برأيٍ أو قرار دون العودة إليهم، ولاسيما في موضوع الدراسة والعمل والزواج، في حين يرى جيل عصر السرعة، والمحطات الفضائية، والألعاب الإلكترونية آراء كبار السن غير متوافقة مع الأفكار العصرية لشباب اليوم. خبرة حياتية وعن رأي كبارالسن قال "علي القحطاني": "الحمد لله مازالت الأسر في القرى متماسكة ومترابطة، بالرغم من أنّها في المدن بدأت وكأنها مختلفة؛ حيث إنّ الكثير من أبناء اليوم يسمع النصائح ولكنه لا يتقيّد بها، وأحياناً لا تُعرَف مصائبهم إلاّ بعد أن تحدث، فيلجؤون إلى كبار السن بحثاً عن الحلول، وهذا لا يعني أن نقرر بدلاً عنهم، فهم أكثر دراية منا في أمورهم الخاصة، ولكننا أكثر منهم خبرة في أمور الحياة، ولا غنى عن مشورتنا ورأينا، وأعتقد أنّ من يحسن تربية أبنائه يربح احترامهم، وتقديرهم لمن هم أكبر سناً". د. صالح الرميح صلة عاطفية وشدد "د.صالح الرميح" - أستاذ علم الاجتماع - على أهمية كبار السن، في نقل العادات والتقاليد، والأسس الاجتماعية، ودعم الموروثات الثقافية، والحفاظ على التاريخ، والأحداث الماضية في المجتمع، فهم حلقة الوصل الأساسية التي تجذب الأسرة بأفرادها حول محور رئيسي، وعلى الرغم من ظن الكثيرين عدم الحاجة إلى خبرة كبير السن لتنافر الأفكار مع تطورات المجتمع سواء أكان ذهنيا أم فكريا، إلاّ أنه لا يمكن تجاهل أهميته في مقدار الصلة العاطفية التي يقدمها للأسرة، لكونه يمثل البركة والقدوة. فجوة الأجيال وكشف "د.الرميح" عن تأثر العلاقة بين الشباب وكبار السن بما يسمى "فجوة الأجيال"؛ أي الاختلاف الفكري السلوكي بين القديم والحديث، فبينما يعتبر الكبار الشاب مخالفاً للأصول والعادات ومتمرداً عليها، يختلط الموضوع على الشباب بين الالتزام برأي المسنين كأمر ديني، مضيفاً أنّ الخبرة المقاسة بالعمر مرفوضة اليوم، باعتبار توفر المعلومة من خلال وسائل التكنولوجيا التي اختصرت العالم وحضاراته، في حين إذا كانت تمثل محوراً أخلاقيا وسلوكيا، فالأمر يحتاج إلى كبيرٍ في السن؛ لما يتمتع به من صفات عقلانية رصينة وبعيدة عن الانفعال، محذراً من خطورة تهميش كبار السن واشعارهم بانتهاء دورهم الاجتماعي، وأنّ ذلك ينعكس سلباً على صحتهم، وقد يعرضهم للاكتئاب النفسي. علاقة هلامية وبيّن "د.الرميح" أنّ العلاقة بين الكبار والصغار في المجتمعات الحديثة "هلامية"، فالجيل الناشئ يرفض أن يملي عليه الكبار تصوراتهم، مشدداً على ضرورة حرص الكبار في التقرب من النشيء بروح العصر والتغيير، واحترام رغبته في الحرية والانطلاق وتعلم كل جديد، فالعولمة تساهم في صقل ظاهرة فردية القرار، والتطور الاقتصادي والاجتماعي يدفع الفرد إلى بناء الذات بعيداً عن أفكار الآباء والأجداد، ويعزز ثقته بقدرته على قول "لا " و"نعم" متى يشاء.