في الورشة التي قدمتها في الطائف بدعوة كريمة من هيئة الصحفيين، وجدت نفسي أمام نخبة من الإعلاميين المخضرمين وأصحاب الأقلام الإبداعية، الذين يحملون للطائف مكانة خاصة في قلوبهم، ولهم باع طويل في السياحة والإعلام. كان يدور في ذهني سؤال جوهري: ماذا تبيع الطائف للسائح؟ لكنني ترددت في طرحه مباشرة، ففضلت أن أبدأ باستعراض تجربة الطائف السياحية الممتدة لأكثر من 70 عامًا، كمقدمة تمهد لهذا التساؤل. بدأت حديثي عن الطائف، تلك المدينة الحالمة التي يسميها أهلها ب«الطائف المأنوس»، والتي كانت وما زالت وجهة مفضلة للملوك منذ عهد الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد - رحمهم الله جميعًا. فقد سجلت الطائف حضورها البارز على خارطة الاصطياف بفضل كرم أهلها، وحسن استقبالهم، ووفادتهم التي أصبحت جزءًا من هويتها. وكان الملك فيصل – رحمه الله – يقيم فيها مسامرات شعرية، بحضور الملك سعود، مستمتعًا بأبرز شعراء المحاورة، ما يعكس المكانة العريقة للطائف كقبلة للشعراء منذ أيام سوق عكاظ التاريخية. كما شهدت الطائف انطلاقة الموسيقار طارق عبدالحكيم، وكانت مهدًا لعمالقة الفن مثل عبدالله محمد ، ومحمد علي سندي، وطلال مداح، ومحمد عبده. وليالي «المثناة» كانت معروفة بالطرب الأصيل، حيث كانت المسارح تُقام للمناسبات والأفراح، وتحتضن العروض الغنائية والتراثية، مفتوحة أمام الجميع، ما يعكس ارتباط الطائف العميق بالفن والموروث الشعبي. وبفضل موقعها الجغرافي المميز على المنحدرات الشرقية لجبال السروات، على ارتفاع 1700 متر عن سطح البحر، والذي يصل في بعض المناطق إلى 2500 متر، تمتعت الطائف بمناخ معتدل جعلها وجهة سياحية رائدة. كما لعب موقعها دورًا محوريًا كونها ملتقى للطرق الرئيسية القادمة من الشمال والجنوب والشرق والغرب، مما أكسبها أهمية سياحية وتجارية وزراعية وعسكرية عبر العصور. وتُعرف الطائف ب"بستان مكة"، نظرًا لغناها بالفواكه والمزروعات التي تميزها عن غيرها من المدن. أما من الناحية التراثية، فتزخر الطائف ب43 موقعًا تراثيًا مسجلًا في السجل الوطني للتراث العمراني، تشمل قصورًا وبيوتًا تراثية، إلى جانب القرى والقلاع والمتاحف والأبراج والمساجد والأسواق والمدارس التاريخية. ومن أبرز معالمها: قصر الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – في المويه، ومسجد سليمان – التاريخي، ومسجد عبدالله بن عباس – رضي الله عنه، إضافةً إلى وسط مدينة الطائف التاريخي، وسوق عكاظ الأثرية التي كان مركزًا ثقافيًا وشعريًا منذ الجاهلية. تمتلك الطائف إرثًا تاريخيًا ومكانة ثقافية فريدة، إذ تحتضن 154 موقعًا تاريخيًا، و180 حرفة في قطاع الحرف اليدوية، ما يعكس ثراء تراثها غير المادي الذي يشمل الأزياء الشعبية، والرقصات، والفنون المختلفة، والتي لا تزال حاضرة بقوة في الفعاليات والمهرجانات. وهنا، عدت إلى سؤالي الأساسي: ماذا تبيع الطائف للسائح؟ الطائف لا تقدم تجربة سياحية عادية، بل تجربة متكاملة ذات عمق تاريخي وحضاري يمتد لعقود. ومنذ شهرين، صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء هيئة تطوير الطائف، والتي تهدف إلى التخطيط والتطوير الشامل في المجالات العمرانية، والسكانية، والاقتصادية، والتنموية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، والبنية الأساسية والرقمية، مما يعكس التوجه الجاد لاستثمار المكانة السياحية للطائف وتعزيز مقوماتها. تتولى الهيئة مسؤولية متابعة تخطيط مشروعات البنية الأساسية بالتنسيق مع الجهات المعنية، وترتيب أولويات تنفيذ البرامج والمشروعات بما يتوافق مع خطط التنمية، إضافة إلى الإشراف على تأهيل الأحياء العمرانية القائمة، بما في ذلك الأحياء التاريخية، ومعالجة العشوائيات، والارتقاء بها عمرانيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، وأمنيًا، وبيئيًا، لضمان استدامة التنمية في المحافظة. ويترأس مجلس إدارة الهيئة الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – في خطوة تعكس الرؤية الطموحة للمملكة في تطوير الطائف، وجعلها إحدى أهم الوجهات السياحية ليس فقط في السعودية، بل في المنطقة بأكملها. إذن، الطائف تبيع للسائح التاريخ، والفن، والطبيعة، والضيافة، والتراث، والمناخ، والثقافة، في مزيج نادر يصعب العثور عليه في مكان آخر، وميز نسبية تتفرد بها عن غيرها. *رئيس جمعية الإعلام السياحي