كانت مجلة «المجتمع» متابعة بشكل كبير من قبل فئة معينة من الشباب السعودي في حقبة السبعينيات، بل كان يشارك فيها بفاعلية عالية سواء بمقالات أو بقصائد أو حتى عبر بريد القراء، وأصبح بعض هؤلاء الشباب لاحقًا قادة لما عرف بزمن الصحوة، وذلك بعد أقل من عشرين سنة على صدور العدد الأول من المجلة في مارس 1970. على كل، ذكرنا بشكل موجز في الجزء السابق أن مقالات محمد أحمد الراشد، في مجلة «المجتمع» توزعت على فترات لثلاثة من رؤساء التحرير، وبحسب تتبعي، الذي لا أزعم أنه دقيق 100 %، فقد يند عنه بعض المقالات القليلة، فإن تقسيم مقالات الراشد على فترات هؤلاء الرؤساء على النحو التالي: الأول: مشاري البداح والممتدة فترته من العدد الأول، وحتى العدد 275، وكتب الراشد في هذه الفترة 75 مقالًا، ابتداء من العدد: 101، وانقطع في فترتين، الأولى: من العدد: 209، وحتى العدد 235، بواقع 27 عددًا، والفترة الثانية: من العدد: 239، وحتى العدد: 275، بواقع 37 عددًا. الثاني: بدر القصار والممتدة فترته من العدد 276، في 25 نوفمبر 1975، وحتى العدد 459، في 30 نوفمبر 1979، الذي لم يكتب الراشد في رئاسته للتحرير، سوى ثلاث مقالات، الأول كان في العدد: 314، في 24 أغسطس 1976، بعنوان: «أشجار الإيمان» دون عنوان زاويته الشهير «في إحياء فقه الدعوة»، والثاني في العدد: 318، في 21 سبتمبر 1976، بعنوان «أخيار ولا فخر»، وكان المقال خاليًا من عنوان الزاوية كذلك، أما المقال الثالث والأخير في فترة القصار، فكان في العدد: 370، في 11 أكتوبر، أي بعد 51 عددًا من كتابة المقال الثاني، وكان بعنوان «الذكرى المئوية الأولى لملحمة بلافنا الإسلامية»، الذي قرر فيه أن العرب تنكروا للعثمانيين. الثالث: إسماعيل الشطي والممتدة رئاسته للتحرير من العدد: 460 في 27 نوفمبر 1979، وحتى العدد 1030 في 22 ديسمبر 1992، الذي كتب في عهده الراشد 7 مقالات فقط، أربع مقالات منها مختلفة عن كل ما كتبه الراشد في المجتمع من ناحية الشكل، أما الثلاث الأُخر فهي مقالات متفرقة ومفردة، بدأت مع العدد الثاني لرئاسة الشطي للتحرير، فكتب الأول منها بعد انقطاع طويل جدًا عن الكتابة في المجتمع، وذلك في (العدد 461، في ديسمبر 1979)، بعنوان «النفس المؤمنة» دون أي عناوين جامعة، ولم يدرجه تحت عنوانه الشهير «في إحياء فقه الدعوة»، وهو العنوان -أي النفس المؤمنة- الذي افتتح به كتابه الثالث من سلسلة إحياء فقه الدعوة «الرقائق»، 1980، ولكن بتوسع في المحتوى، وتغيير في الصياغة، ثم المقال الثاني كتبه في العدد: (463، في 18 ديسمبر 1979)، بعنوان «دمشق ذات المناقب»، الذي قرر فيه غيبة الحكم الإسلامي في العالم، وكان قد كتبه ردًا على مقال نشر في عدد «المجتمع» (462، 11 ديسمبر 1979)، بعنوان «ثقافة النفاق» لحصيف عبدالغني -وهو كاتب ومترجم سوري- يصف فيه دمشق -دون محافظاتسوريا الأخرى- بأنها عريقة في النفاق السياسي، وكان المقال ردًا على مقال كتبته وزيرة الثقافة السورية وقتها -نائبة الرئيس لاحقًا- الدكتورة نجاح العطار، في مجلة «الثقافة السورية» في عدد (يوليو 1978)، بعنوان «بناء الإنسان»، أثنت فيه ثناء مبالغًا فيه على حافظ الأسد، ونجاح هي شقيقة عصام العطار القيادي الشهير في جماعة إخوان دمشق، وهي بعثية- كما هو معروف- وكتب حصيف مقاله دون ذكر اسمها، بل أشار إلى منصبها، ومقالها، ويبدو أن هذا المقال أفلت من تدقيق الشطي، ولذلك رحب ترحيبًا عريضًا برد أستاذه الراشد على حصيف ومقاله، أما المقال الثالث في عهد الشطي، فكان في العدد: (464، 8 يناير 1980)، فبعنوان «الدموع الباسمة»، دون أي عنوان رئيس جامع، ثم جاءت بعد هذا وفي حالة فريدة لم تحدث من قبل، أربع مقالات كتبها الراشد باسمه الحقيقي «عبدالمنعم صالح العلي»، مرفقًا صورته بالزي الخليجي، نشرت في أربعة أعداد متتالية من سنة 1980، هي الأعداد: (466، 22 يناير) و(467، 29 يناير) و(468، 5 فبراير) و(469، 12 فبراير)، بعد انتقاله إلى العمل في إدارة البحوث الإسلامية في وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكان عنوان المقالات «سمر ليلة شتاء طويلة حول إعادة كتابة التاريخ الإسلامي»، ولعل مناسبة المقالات تلك هو استقبال القرن الخامس عشر الهجري، وهو المقال المسلسل الأخير للراشد في مجلة المجتمع، وقد وعد في نهاية المقال الرابع من تلك السلسلة، أن يكتب نقدًا لكتاب «التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة، 1976» للمؤرخ العراقي عبدالرحمن الحجي «ت: 2021» والذي روَّج له- أي الكتاب- الراشد في رسائله وكتبه ومحاضراته، غير أن الراشد لم يكتب بعدها في المجتمع. أما الانقطاعات الطويلة فقد بدأت بوادرها من (العدد: 196، في 16 إبريل 1974)، ومن ذلك العدد وحتى (العدد: 469، في 12 فبراير 1980)، كتب فيها الراشد 19 مقالًا فقط، قبل التوقف النهائي ابتداء من (العدد: 470، في 19 فبراير 1980)، وعلى الرغم من أن 19 مقالًا في أقل من 5 سنوات، تعتبر توقف عن الكتابة المنتظمة، إلا أني اعتبرت أن حبل الود موصول مع حاضنته الأولى خارج العراق وهي مجلة المجتمع، وقصة هذه الانقطاعات بدأت بعد أن كتب الراشد ردًا من جزأين في العددين (195، و196) على محاضرة لعبدالرحمن عبدالخالق ألقاها في مقر جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت في مارس 1974، بعنوان «الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة»، ثم نشرتها مجلة المجتمع بعد ذلك في عدة حلقات، وكان عنوان رد محمد أحمد الراشد «غنيمة لنا فيها سهم»، ثم نشرت المجتمع تعقيبًا على الرد لعبدالرحمن عبدالخالق، في العدد التالي ولم ينتظر أن يكمل الراشد رده، الذي أكمله في جزء ثانٍ في نفس العدد الذي نشر فيه عبدالخالق رده على الراشد في جزئه الأول. الراشد ذكر أنه سيتوقف ولن يعود لهذا النقاش، سدًا للذريعة، ومنعًا لقيل وقال، ثم ختم رده هذا بقوله: «وسأعود قريبًا- إن شاء الله تعالى- إلى مواصلة اقتباس أنوار الفطنة المبددة لظلمات الفتنة، والله المستعان»، ولكن الراشد لم يعد بعدها إلى صفحات مجلة المجتمع إلا بمقالات قليلة متفرقة خلال أربع سنوات وعدة أشهر، كما بيَّنَا. كان رد عبدالخالق حاسمًا وموجعًا، رغم انتقائه للألفاظ ومدارته للراشد، في ظل فترة قويت فيها شوكة السلفية «التنظيمية» في الكويت، مقابل تراجع بسيط إلى متوسط في مد الإخوان، قبل استعادة توازنهم وقوتهم لاحقًا، والحديث حول هذا يطول، كما أنني أعني المعني الاصطلاحي الدقيق (للسلفية التنظيمية)، والتي تنتظمها الإمارة والبيعة والتنظيم والحركة، في مخالفة صارخة لمفهوم السلفية الحقيقي. انقطع ذكر الراشد من مجلة المجتمع، حتى فاجأت قرَّاءها في (العدد 1228، 3 ديسمبر 1997) وفي صفحات ملف المجتمع الإسلامي، عبر مراسلها في لندن، بعنوان خبر لافت هو: «ارتياح واسع وترحيب بإطلاق سراح المفكر الإسلامي الشيخ عبدالمنعم العلي»، جاء فيه: «إطلاق السلطات في دولة الإمارات العربية المتحدة سراح المفكر الإسلامي الشيخ عبدالمنعم صالح العلي»، المشهور باسم «أحمد محمد الراشد» بعد أن أصدرت منظمة ليبرتي للدفاع عن الحريات في العالم الإسلامي، بيانًا ذكرت فيه ذلك، حيث مكث ما يقرب من 22 شهرًا، وقد ألقي عليه القبض في إمارة الشارقة في 16 يناير 1995، وقد غادر بعدها الراشد مباشرة إلى دولة عربية)، لم يوضحها البيان. عمومًا، لي عودة مفصلة وبتوسع، حول الخطاب الذي اضطلعت به مجلة «المجتمع» الكويتية، وتحولاته وأثره، وذلك من عددها الأول في 17 مارس 1970، وحتى العدد: 2198، ديسمبر 2024، خصوصًا بعد حصولي على معلومات مهمة من «شهود مرحلة»، حول أول من جلب المجلة إلى بريدة، وكيف أثرت في شبابها خلال عقود مضت، وهو نتاج عكوفي لعدة أشهر على قراءة المجلة وتدقيق محتواها «الغريب» الذي تحول من المباشرة وصراحة القول المتطرف على يد أول ثلاثة رؤساء تحرير (البداح، ثم القصار، ثم الشطي)، إلى المواربة والتورية والمداراة بعد أزمة احتلال الكويت، وسيكون فيه تحليل لمقالات محمد أحمد الراشد، ومحمد سرور بن نايف زين العابدين، الذي كان يكتب باسم «محمد النايف»، وغيرهم كثير ممن أضحوا أربابًا للإرهاب في العالم لاحقًا. وأزعم أن المجتمع إحدى أهم أدوات التحريض على السادات، ثم التبرير لقتلته لاحقًا، كما أن المجلة نددت بقتلة الشيخ محمد الذهبي -رحمه الله- بل ونشرت إعلانًا يحث على الإدلاء بأي معلومات حول الجناة، ثم طفقت بعد ذلك تبرر للقتلة فعلهم من طرف خفي، من خلال التنديد بمحاكمتهم وطريقتها، وغير ذلك من الشؤون والشجون، وللحديث بقية.