أثناء دراستي مرحلة البكالوريوس في قسم علم النفس بجامعة الملك سعود، وفي إحدى المحاضرات سمعت كلمتين اثنتين في ثنايا موضوع من موضوعات مادة الصحة النفسية، كان يشرحه أستاذي الدكتور مصطفى كامل -رحمه الله- من جمهورية مصر الشقيقة، ألا وهي "تأثير الهالة". كان مفهوما غير مألوف، لم أسمعه من قبل، عَلِقَ في ذهني، وأنا شاب صغير أفتقد لكثير من خبرات الحياة، ووقتها لم يسهب أستاذنا كثيراً في شرحه، بل اكتفى بجملة فعلية تبدأ بفعل أمر، قال فيها: (احذروا يا أبنائي من تأثير الهالة عند تعاملكم مع الناس) ثم واصل حديثه في موضوع المحاضرة الأصلي، ويبدو أن زملائي الطلاب لم يلتقطوا هاتين الكلمتين، كما التقطتهما أذني، وحولتهما لفكرة أشغلت تفكيري عدة أيام، تساءلت كثيراً: ماذا يقصد الدكتور (كامل) بتأثير الهالة؟ لكن طبعي الهادئ بزيادة وقع حاجزاً بيني وبين الذهاب إليه لأسأله عن هذه الهالة، ترددت كثيراً، وفي النهاية قررت سؤاله، فالمفهوم لايزال في ذهني أشبه بنغمة موسيقية مؤثرة، ولم أعلم أن إصراري على السؤال كان توفيقاً من الله، الذي سخر لي هذا الأستاذ لقول هاتين الكلمتين أمامي، لتكون نصيحة مجانية ربما فزت بها مبكراً، دون غيري من الأقران في تلك الفترة، لقد رسخت في ذهني طوال حياتي، وأصبحت منهجاً أستخدمه في تعاملاتي مع البشر. ذهبت لمكتبه وطلبته أن يشرح لي مفهوم "تأثير الهالة" في تعاملاتنا مع الناس، قال: (يا بني) أنت لا تزال صغيراً، وربما أنك محظوظ في انشغالك بهاتين الكلمتين، ومجيئك للسؤال عنهما، يا ولدي: الحياة أمامك طويلة، وسوف تقابل الكثير من البشر بمختلف اتجاهاتهم، وثقافاتهم، واعتقاداتهم، وسلوكياتهم، وأنت تتعامل معهم احذر من أن تحكم على إنسان من مظهره وهيئته، فتتعجل وتثق فيه فيجرك لأمر قبيح بخديعة الهالة، أو على آخر تحكم عليه حكماً متعجلاً جائراً فتكون شخصاً أحمق عجولاً، لا يميز الأشخاص بأفعالهم وسلوكياتهم وتجاربهم وخبراتهم في الحياة، وإنما يقيمهم من برواز الصورة، ويترك التأمل والتدقيق في الصورة نفسها. فقد يبهرك شخصاً ذا أناقة وهندامٍ ملفت للنظر، له أسلوب في الكلام وحركات في اليدين، وغمزات في العينين، فتشعر أنه إنشتاين في زمانه، فتحكم عليه أنه عالمٌ لم يخلق مثله في البلاد، وهو ليس من ذلك في شيء، وقد تتفاجأ بشخصٍ ليس في هندامه وأناقته كما الأول فتحكم عليه أنه (غلبان) فيما هو يمتلك من العلم والمعرفة الكثير، لكن هالته خدعتك فأبعدتك عنه، وقد تنخدع بمن تبدو عليه مظاهر الصلاح، فتحكم عليه بأنه من أهل التقوى، فيغسل مخك لتركب معه بساط الريح فتهلك، وهو بعيد عن التقوى بعد المشرق عن المغرب، وحتماً أيها الشاب الصغير المحظوظ ستجد أناساً ليسوا في هيئتهم على معيار جماعة العاصوف في التدين، لكنهم إلى الله أقرب. هل فهمت الآن؟ قلت: الآن فهمت، قال احفظ كلامي جيداً يا (عُبد) كما كان يسميني، وعلمه أبناءك مستقبلاً. ومن تلك اللحظة وإلى الآن وآخر الزمان، لا أزال أعمل بهذا النهج. وكما بدأ أستاذنا كلامه بكلمة (احذروا) أنهي حديثي بها، احذروا من الحكم على أحد، إلا بعد تقييم سلوكه وأفعاله في المواقف المختلفة، لا يغرنكم الشكل، ولا تخدعكم الهيئة، فالأفاعي جلودها ناعمة، وألوانها زاهية، لكنها مليئة بالسم القاتل.