أكد الباحث الدكتور علي العواجي أن أربعة وعشرين من رواة الحديث الشريف قد سكنوا ولاية الجهوة - كما أسماها - في منطقة رجال الحجر وتحديدا بني شهر، مشيرا إلى أن بعض النقوش تؤكد أن الإمام ابن ماجة أزدي شهري عاش في الجهوة. وأطلق مفاجأة علمية في محاضرته التي ألقاها في نادي أبها الأدبي بعنوان "الجهوة ولاية أسقطت من التاريخ وأنصفتها النقوش" الاثنين المنصرم حين استعرض النقوش الموجودة في الجهوة والدالة على وجود حضارة إسلامية ترعرعت منذ القرن الثاني الهجري، متسائلا عمن أسقط هذه الولاية من الرصد والتوثيق التاريخي ولمصلحة من؟. واستهل العواجي محاضرته التي قدمها الدكتور ناصر الحازمي بالتأكيد على أنه مكث باحثا في نقوش الجهوة قرابة ست سنوات، ليكشف عن تحول تاريخي وعلمي كانت كتب الأخبار وتراجم الرجال قد سجلته خطأ أو توهما، حيث أثبت من خلال عدد من النقوش أن الإمام ابن ماجة أزدي شهري عاش في الجهوة ودرس الحديث ورواه. وأضاف أن هذه الولاية التي تبعد عن مركز تبالة قرابة 9 كيلومترات غنية بالنقوش المحتاجة إلى التنقيب والدراسة، وأنه لولا وجود رجل قيضه الله للمحافظة على النقوش والكتابات لطمست حقائق تاريخية كثيرة، مشيرا إلى أن هذا الرجل يدعى مشرف بن عيسان العمري؛ حيث كان يحمل النقوش على ظهره ويخفيها خوفا عليها من العبث حتى يطمئن للباحث الموثوق فيطلعه عليها. وأكد العواجي أن هذه النقوش لا مثيل لها في المملكة وأن بعضها جاء مطابقا لما ورد في كتب التراجم والأعلام، مبينا أنها جاءت على ذكر صاحب القراءة والرواية القرآنية الشهيرة "قراءة حفص بن عمر"، وأنه استطاع الإثبات أنه شهري الانتماء والنسب. وقسم علماء الجهوة إلى أقسام ثلاثة: الأول أصولهم من بني شهر أو من رجال الحجر عموما، وكانوا تركوا المنطقة ثم عادوا إليها وسجلوا ذكرياتهم عبر نقوش كانوا يدعون فيها لأنفسهم ولمن قرأها، ومنهم حفص بن عمر، وعبدالرحمن بن نمران. والقسم الثاني ليسوا من أهالي الجهوة وإنما قدموا إليها ليعلموا أهلها، ومنهم عبدالله بن عمر، وعطاء بن أبي رباح، والوليد بن مروان، ومحمد بن جهور وهو أندلسي من بني جهور. أما القسم الأخير فمن أهل الجهوة أنفسهم مكثوا فيها يعلمون القرآن والسنة ومنهم الجويبر الأثلي وأبناؤه محمد وعبدالله وعبدالرحمن، لافتا إلى أن الشاعر الملقب بأعشى همدان عاش في الجهوة كذلك. وبين في ختام محاضرته أن الضحاك بن بشر هو من أسس هذه الولاية التي كانت زاخرة بالحضارة، موضحا عبر عدد من الصور التي عرضها قنوات للري تصب في أحواض متدرجة، إلى جانب مزولة شمسية كان يتعرف بها على أوقات الصلاة. وقد أتيحت الفرصة للتداخلات، حيث تواترت الأسئلة حول مصداقية البحث ومدى التثبت مما ورد فيه، وأنه جاء مثيرا للتساؤلات، ليجيب أن دراسته قد مولت من دارة الملك عبدالعزيز وأنها قد حصلت على جائزة الأمير سلمان، مضيفا أن 6 سنوات من التحري والبحث قد جعلته واثقا مما جاءت به نتائج الدراسة. ودعا إلى أن يعكف الباحثون التاريخيون والشرعيون على دراسة آثار المنطقة لما فيها من كنوز قد تغير الفكرة عن المنطقة من أنها غرقت في ظلام الجهل والبدع، وهذا غير صحيح بالأدلة التاريخية التي أثبتتها نقوش الجهوة.