تقع مدينة الجهوة على حافة وادي النماص من الجنوب الشرقي وتأتي قيمتها التاريخية من المكانة التي كانت عليها قبل عام 320 ه حينما تحدث عنها الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب وقال: إن حاكمها جابر بن الضحاك الربعي من بني أثلة بن نصر بن ربيعة بن الحجر وذكر أنها مدينة السراة وأنها أكبر من مدينة جرش، أي أنها أكبر مدينة في السراة في ذلك الوقت إذ أنه عندما تحدث عنها قال: إنها أكبر مدينة في السراة، وهي مدينة عامرة بالتاريخ وهناك الكثير من الآثار التي لازالت تحتاج إلى البحث والتحري إلا أن المعضلة التي تقف أمام الباحثين عن تاريخ مدينة الجهوة هو انعدام المراجع التاريخية، وكل ما ذُكر عنها من بعد عصر الهمداني يظل تنبؤات قد لا تمت للحقيقة بصلة ولكن تبقى اجتهادات يشكر عليها. ولم يكن بوسع منطقة “الجهوة” الأثرية الكائنة بمدينة النماص أن تحظى بذلك الاهتمام بها كرمز أثري ثمين إلا بعد أن أخضعت للبحث التاريخي ووضعت تحت المجهر ومحك البحث العلمي المنهجي والذي غاب عنها لفترة؛ ذلك عندما قدّم أستاذ علم التاريخ بجامعة الملك خالد الدكتور علي بن محمد عواجي بحثًا يتناول فيه تلك المنطقة والتي وصفها بالولاية وصنفّها على أنها ذات أهمية كبرى وتضم مدنًا وقرى تحت إمرتها في تلك الفترة التي كانت الجهوة فيها ذات نفوذ سياسي واسع، لافتًا إلى أنه خلص إلى أن الجهوة هي فرس الرهان المقبل والذي سيسحب البساط عن مدائن صالح، وغيرها من المواقع التي حظيت باهتمام عالمي كبير، مشيرًا إلى أنه قدم بحثًا قيد الطبع تحت إشراف دارة الملك عبدالعزيز، والذي وصفه عواجي بأنه “مفاجأة” سيغيّر معالم التاريخ ويقلب موازين الحقائق وسيرى النور في غضون الأسابيع المقبلة، ويقع في 400 صفحة. بحث مفاجأة ويكشف عواجي عن بعض ملامحه بحثه بقوله: كل ما استنتجته عن “الجهوة” في هذا البحث مختلف تمامًا عن كل ما كتب مسبقًا عنها برغم تواضع المرجع المكتوب، وينبغي أن أشير هنا إلى أن بحثي سبق وأن فاز بجائزة عبارة عن منحة الأمير سلمان بن عبدالعزيز للدراسات والبحوث قبل خمس سنوات، وهو يتناول ولاية الجهوة تلك الولاية خارجة عن النطاق الذي يتصوره الناس حاليًا ويعرفونه عنها، ولازالت هنالك العديد من النقوش الجاذبة للبحث، وقد وضعت ما يقارب ال( 120) نقشًا أثريًا قيد الدراسة، تلك النقوش تتمازج الكتابات فيها بين المسند الجنوبي والثمودي إضافة إلى بعض النقوش المكتوبة باللغة العربية الحديثة، استطعت أن أؤرخها، والتي استطعت فيها الاستنتاج أن أعمار هذه النقوش الزمنية تتراوح ما بين العصر الجاهلي والقرن الخامس الهجري. وبرغم انعدام المصادر التاريخية عن هذه الولاية إلا أنني وجدت العديد من الطرق للتعامل مع سبر أغوار تلك الولاية المندثرة، ولكنني لن أفصح عما لدي من معلومات إلا من خلال بحثي الذي تبنت طباعته الدارة وسيرى النور في القريب العاجل. وينفي العواجي صحة ما يتداول حاليًا عن موقع مدينة الجهوة الأثريةلدى أهل المنطقة؛ حيث يقول: إنها تقع في مكان غير المتعارف عليه حاليًا -لا يزال بها بقية يمكن الحفاظ عليه شريطة ألا تهدم وهي عدة حصون و”سيح”–جمع ساحة- تملكها عائلة آل هزاع والد شيش وآل كعرم وآل عبدان من بني بكر وقد أهملت هذه المنطقة إهمالًا كبيرًا، ولم يبحث في تراثها أو ينقب عن آثارها وكان فيما ورد عن بعض أفراد تلك العوائل الذين يرون نسبتهم إلى مدينة الجهوة أنه في عام 1390تم إزالة أحد الحصون لكي يقام منزلًا لأحد أفراد القبيلة فوجدوا عند الأساسات الكثير من الحجارة المنقوشة والمكتوب عليها كتابات لم يستطيعوا فك رموزها أو معرفة محتواها، كما وجدوا محانذ كبيرة جدًّا إلى درجة أنها تتسع للبعير الكبير وقد تم بناء قصر ثربان -ووفق ماِ أشار المصدر- المعروف في النماص من حجارة تلك الأنقاض حيث تم حملها على الجمال وإعادة بنائها في موقعها الجديد، والمكان يكاد يكون مليء بالآثار في كل زاوية من زواياه أثر يدل على أصالة أبناء هذه القبيلة العريقة. تنومة في التوراة ومن جانبه يشير الباحث والمؤرخ الدكتور عمر بن غرامة العمري إلى أن البحث عن منطقة تحمل كل مقومات التاريخ كمنطقة الجهوة جدير بالبحث وبالدراسة، مضيفًا: لي كتاب ولكنه لا يزال مخطوطًا عن منطقة الجهوة الأثرية ويختص بسراة رجال الحجر وتناولت الجهوة فيه تناولًا كبيرًا وحددت مدينة الجهوة التي ذكرت في الكتب وبنيت قبل الميلاد وما هي القرى التي بنيت على أنقاضها وما هي المباني التي بنيت من أنقاضها أيضًا كما أن هناك العديد من الكتب التي تتناول الجهوة وغيرها لا تزال مخطوطة ومحتكرة ولا تزال في غياهب الجب في مكتبات أهلية فقد طغت عليها أيادٍ ليست من أهل المنطقة أصلًا لذلك فإنها تحاول بطريقة مقصودة أو غير مقصودة مباشرة أو غير مباشرة أن تغيبها بقدر ما تستطيع إما لأنها ليست مذكورة فيها وإما أن المحيط الذي يتناول ما بين أيديها محيط غير محبوب إليها ولا يهمها بروزه إلى ما يصاحب ذلك من من الاعتبارات الأخرى، وينبغي أن أشير هنا إلى أن هناك كتابين يتناولان ما يجري على المنطقة من سير وحضارة وتاريخ وآثار أحدهما للشيخ العلامة عبدالرحمن الحفظي لا يزال مخطوطًا وفيه تاريخ المنطقة الجنوبية بكل حذافيره، وهذا مرتهن في نسخة خطية في مكتبة الشيخ هاشم النعمي -مؤلف تاريخ عسير- وسبق أن ذهبت إليه ورجوته أن يفرج عن الكتاب إلا أنه لم يلق بالًا لذلك، وأنا هنا استغرب من السبب الذي يجعله يحتفظ بالكتاب دون إخراجه إلى النور وهو مؤرخ لتاريخ المنطقة وفق رحلته الشخصية. كما أن هنالك كتابًا آخر للمؤرخ العلامة عبدالله العمودي في مجلدين مخطوطين كبيرين المختصر منه حققه الدكتور عبدالله أبو داهش في جزأين وحاولت الشيخ بقدر المستطاع أن يعطيني الكتاب وبعد جهد جهيد أعطيت الكتاب لأنظر فيه لأقل من 5 دقائق، وأنا هنا أؤكد أن هنالك بحثًا تناول الجهوة وغيرها في تلك النسخ المخطوطة ولكنه محتكر حتى إنني طلبت منه أن أشتري الكتاب منه بأي مبلغ يريده ولكنه رفض، كما أنني حاولت أن أصور منه بعض النسخ مع احتفاظه بالأصل لكي يرى تاريخ المنطقة النور إلا أنه رفض أيضًا علمًا بأن النعمي وقف على منطقة الجهوة مرتين وهو مكتوب في كتابه المخطوط. وينبغي أن أشير إلى أن هذه الحقائق لا يمكن إخفاؤها عن المنطقة حتى إنني بحثت ووجدت أن قصة سليمان عليه السلام مع الهدهد كانت في مدينة تنومة، وكما أن لقمان الحكيم كان يسكن في جبل ضرم بتهامة باللسمر ومكانه معروف عند أهل تلك المنطقة وهو ماجعلني أؤخر بحثي لكيلا أصطدم مع بعض شرائح المجتمع حول حقائق ما كنت سأنشره لكيلا أتسبب في خلق إرباك حتى إنني ذهبت خلال رحلتي إلى ألمانيا ووجدت مدينة تنومة في أقدم نسخة في التوارة، ووجدت تنومة 3 آيات في 3 أسفار في أقدم نسخة توراة في التاريخ، وقد صرفت على المترجم والقارىء في رحلتي تلك أكثر من 35 ألف دولار. إنصاف النقوش ويشير الباحث في الآثار وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد في أبها الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد إلى أن الجهوة واحدة من أهم وأبرز مناطق الآثار التاريخية القديمة في جزيرتنا العربية عامة، لاسيما أنها تزخر بالكثير من الكتابات والنقوش الأثرية التي يعود تاريخ بعضها إلى ما قبل الإسلام، والبعض الآخر يرجع إلى العصور الإسلامية الأولى كما أنها تمتاز بموقعٍ استراتيجي له أهميةٌ كبيرةٌ حيث إنها تقع على طريق الحاج القادم من بلاد اليمن والذي يمرُ بالبلاد الواقعة على جبال السروات، إضافة إلى أنها تقع على الطريق التجاري القديم الواقع في الجهة الشرقية، والذي كان يربط بين بيشة وبلاد السراة. مضيفًا: الأهم من ذلك كله أن بعض الدراسات التاريخية والأثرية التي ظهرت مؤخرًا أثبتت بالدلائل القاطعة أن الجهوة كانت مركزًا حيويًا هامًا لبلاد سراة الحجر، بل إنها كانت من أكبر مُدن السراة في زمنٍ مضى يعود تحديدًا إلى أواخر القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع الهجري الذي يعده البعض عصرًا ذهبيًا للحضارة الإسلامية بعامة وليس هذا فحسب، فقد كانت هذه المنطقة زاخرةٌ بالكثير من الأُسر العلمية، والأئمة الأعلام الذين أسهموا بفعالية في بناء الحضارة الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي، والذين برزوا وتفوقوا في علومٍ شتى كعلم الحديث النبوي الشريف، وعلم القراءات، وفنون الخط العربي، وبعض أنواع الطب، وفنون التدوين والكتابة سواءً أكانت هذه الكتابة نقشًا على الحجارة أو حفرًا في الصخور، وما صاحب ذلك كله من حركةٍ ثقافيةٍ وأدبيةٍ وحضاريةٍ متميزة تحتاج إلى أن يُلتفت لها، وأن تحظى باهتمام الجهات المعنية في جامعاتنا، ومؤسساتنا الثقافية والتاريخية والأثرية. كما أن هناك عدة أسبابٍ يمكن القول إنها أسهمت مجتمعةً في تأخر عمليات البحث والتنقيب في منطقة الجهوة الأثرية التي ظُلمت كثيرًا، وتجاهلها أهل الاختصاص حتى من أبنائها فلم يحرصوا على تسليط الضوء عليها كما ينبغي. وعلى كل حال فإن من أبرز الأسباب ما يلي: ندرة المعلومات المكتوبة والموثقة عن هذه المنطقة في المصادر والكتب التاريخية القديمة أو الحديثة في المكتبات إضافة إلى إحجام كثيرٍ من الباحثين في جامعاتنا ومؤسساتنا الثقافية المعنية بالبحث والتنقيب عن الالتفات لتاريخ هذه المنطقة، وإهمال دراستها بحُجة عدم توافر المراجع والكتابات والوثائق التاريخية إلى ما يصاحب ذلك من عدم اهتمام المختصين في الدراسات التاريخية والتُراثية من (أبناء المنطقة) على وجه الخصوص بتتبع المنهجية العلمية الصحيحة في عمليات البحث والتنقيب. وكذلك انشغال الكثير من الباحثين الذين تطرقوا لهذا الموضوع في كتاباتهم بالتركيز على مناقشة بعض الجوانب الهامشية في الموضوع، والتي (أجزم) أنها لا ولم ولن تخدم الجانب العلمي المنشود، والتي لا يترتب عليها كثيرٌ من النفع أو الفائدة والتي منها على سبيل المثال: هل الجهوة في تنومة أم في النماص؟ وأقول لهم جميعًا: إن الانشغال بمثل هذه التساؤلات الباهتة مجرد استهلاكٍ للجهد وضياع للوقت، بل إنها ربما كانت عاملًا رئيسًا في إثارة الأحقاد والتمسك الخاطئ بالرأي ومن ثم ضياع الحقائق. وهنا أجدها فرصةً مناسبةً لاستثمر هذا المنبر الإعلامي في دعوة الجميع إلى تأمل وتدبر مقولةٍ حكيمةٍ، ونداءٍ بليغٍ وجهه أحد الباحثين المخلصين إلى عموم أبناء المنطقة قائلًا فيه: إلى رجال الحجر الذين تجاهلهم التاريخ وأنصفتهم النقوش”. مُشيرًا إلى ضرورة بذلهم للمزيد من العناية والاهتمام بأعمال البحث والتنقيب العلمي المدروس، وإجراء الدراسات والأبحاث العلمية عن تُراث (الجهوة) التاريخي وما جاورها. شواهد عريقة مدير مكتب الآثار بمحافظة النماص محمد بن عبدالله العسبلي قال: الجهوة هي المدينة التاريخية والباقية آثارها إلى الشرق من محافظة النماص 2 كم والتي ذكرها الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب في القرن الثالث الهجري حيث قال: (الجهوة أكبر مدينة في السراة أكبر من جرش وصاحبها بن الضحاك الربعي)، ولازالت معالم كثيرة تدل على عراقة تاريخ الجهوة ومنها بقايا حصن مرغم) الذي يقال: إنه بني في سنة 115 قبل الإسلام، وكذلك سور الجهوة الذي لا تزال بعض بقاياه شاهدًا إلى يومنا الحاضر ومنها الحجارة العملاقة الواقعة إلى الشمال من الجهوة الحالية وكذلك موقع سوق الرس الشهير الواقع إلى الشرق من القرية وبعض القبور التي يصل طولها إلى أكثر من ثلاثة أمتار بالإضافة إلى وجود بئر الدرب المحفورة في الصخر وكذلك وجود بعض المباني القديمة التي لا تزال أنقاضها موجودة إلاّ أن الزحف العمراني الحديث أزال أغلب معالم القرية التاريخية ولم يبق إلا شواهد متناثرة هنا وهناك من القرية. وسكان الجهوة الحاليين هم قبيلة بني بكر من بني شهر من الحجر. ومن الآثار التي تحفل بها الجهوة حصن شامي: وهو من الحصون القديمة في محافظة النماص يزيد عمره على أربعمائة عام ويقال: إنه مبني من أنقاض مدينة الجهوة التاريخية وسمي حصن شامي لأنه يقع في الجهة الشمالية لقبيلة بني بكر وكان يستخدم أثناء الحروب بالإضافة لتخزين الحبوب ويتكون من خمسة أدوار وله باب سري وقد تم ترميمه بمواد حديثة من الداخل والخارج مما شوه وأضعف قيمته التاريخية وهو مجاور لقرية (آل النييح) التي تعتبر أنموذجًا لفن العمارة القديمة والقرى المحصنة كون هذه القرية بما فيها من حصون مغلقه لا يمكن الدخول لها إلا عبر بوابتين كبيرتين تغلق مساء ومازالت القرية تحتفظ بطابعها القديم. وكذلك موقع الخربان: ويقع على بعد 70 كم تقريبًا إلى الشرق من محافظة النماص وهو عبارة عن مجمع لاستخراج الحديد والنحاس (منجم) وهناك بعض المباني المهدمة على ضفة الوادي ربما تكون للعمالة التي كانت تقوم باستخراج المعادن من المنجم على ضفة الوادي توجد نقوش صخرية وقد تم توثيق الموقع من قبل فريق المسح الأثري خلال هذا العام.