تلعب الثقافة والنسق العام دورًا مهمًا في خلق الاتجاهات، حيث يمكن أن تتأثر بكل شيء من الفن والموسيقى إلى السياسة والحركات الاجتماعية. على سبيل المثال، يمكن أن يُعزى انتشار فكرة أو موضة إلى تأثير وثقافة الشارع -إن صح التعبير- سواء كان ذلك عبارة عن صور مضحكة أو مقاطع فيديو سريعة الانتشار أو عبارات مشهورة أو أحدث اتجاهات السياق. لكن لطالما سكنت في مخيلتي كومة من الأسئلة مثل لماذا تستحوذ بعض الأفكار أو النشاطات على خيال الجمهور، كيف تظهر الاتجاهات، ومن المسؤول عنها، وما الذي يحدد «الاتجاه» مقابل بدعة أو وميض قصير الأجل؟ غالبًا ما يكون من الصعب تحديد بداية الاتجاهات و«الترند» وفي مصطلحنا العامي «الهبة» لأنها تتلخص في القوى الاجتماعية التي تتغير من خلالها الأنماط أو الأذواق، وبمجرد تقاسم التغييرات وتبنيها من قبل مجموعة من الناس، فإنها تكتسب موطئ قدم وخطوة أولى في طريق الهبة، وتصبح راسخة بقوة في النفسية العامة، وهنا تبدأ كرة الثلج بالتدحرج. يقول هنريك فيجلجارد، مؤلف كتاب «تشريح الاتجاه» «لا يوجد شيء غامض في هذا الأمر ولا يحدث أبدًا فجأة، على الرغم من أنه قد يبدو كذلك في بعض الأحيان. وكونها عملية اجتماعية يعني أنها من صنع البشر». لذلك الهبة أو الترند يتحكم فيها عناصر مثل المكان المناسب، والوقت المناسب، واللحظة المناسبة، ومع الأشخاص المناسبين. فغالباً ما يستخدم مصطلح «الفيروسي» بالتبادل مع «الاتجاه»، وهذه الأشياء يحركها الذوق والأسلوب، وتثبت نفسها بقوة لفترة معينة من الزمن بفضل المشاعر المشتركة، كما حدث للجميع إبان فترة الجائحة. فكيكة الليمون والكيرم وغيرها من النشاطات المشتركة للجميع وكأننا كنا في منزل واحد حينها! وهذا المصطلح يتعزز بطبيعة الحال وينتشر في زمن الرقمنة وشبكات التواصل المجنونة. أؤكد كلام صديقنا فيجلجارد وأضيف إليه.. اليوم الهبة يا فيجلجارد تُشترى بالمال والتكدسات الوهمية والتجمعات المخلوقة خلقاً. فالفنان بإمكانه أن يدفع لتطبيق «تيك توك» ويجعل أغنيته «هبة الشتاء»، والمغرد يستطيع أن يجعل نفسه «ترنداً» بأن يدفع لتطبيق «إكس». والمشاهير بإمكانهم أن يدفعوا لجهات معينة ليتم التجمهر عليهم وهمياً. واقتصاديا المحلات تدفع لهذه التطبيقات وكذلك الأبحاث النفسية في عالم الألوان باختيار لون محدد لسنة 2023 أو 2024؟ ماذا لو لبست لوناً مغايراً، هل أنا متخلف عن تلك الموضة المخلوقة عمداً أم أحتاج إلى أن أدفع لكي يرضوا عني؟!