أمريكا الرسمية [السياسية] ذات عاطفة قوية تجاه إسرائيل وانحيازها لدولة إسرائيل العنصرية واضح، رغم أن معظم الأمريكيين غير راضيين عن هذه السياسة ويرونها ضارة بمصالح أمريكا في الشرق الأوسط ولا تتطابق مع المصلحة الأمريكية. فقبضة اللوبي الإسرائيلي على الكونجرس لم تتراخ منذ سنوات طويلة، وبذلك نستطيع أن نقول إن قوته الأساسية لم تتغير، وبالغوا النفوذ في الإعلام فمعظم قنوات الإعلام ووسائله تحت تأثيرهم المباشر وغير المباشر، والإعلام من أهم الوسائط التي يستخدمونها للإفصاح عن وجود القومية اليهودية في الوسط الأمريكي، والتي عن طريقه بدأ مشروع توظيف الاحتكاك بينهم وبين المجتمع الأمريكي وأهم الوسائط التي تعمل على خلق الاتصال بين اليهود والمجتمع الأمريكي، فعبارات مثل [إسرائيل الحليف الإستراتيجي لأمريكا] و[الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ] و[الحائل الرئيسي دون التغلغل السوفييتي] كانت من نسج الإعلام الأمريكي المنحاز لإسرائيل وهذه ليست مجرد عبارات بل صارت بمرور الزمن ثوابت مسلم بها تحكم علاقة أمريكا بإسرائيل. وفي الحقل السياسي فاللوبي الإسرائيلي والجالية اليهودية بشكل عام حضور قوي في مجلسي الشيوخ والنواب ووجود واضح في هيئات الأحزاب السياسية وفي المحكمة العليا، إضافة إلى ذلك فإن المبادئ والتشريعات والنظم السياسية من نتاج أفكارهم. وفي الناحية الاقتصادية، فقد استحوذوا بذهنيتهم على معظم الاقتصادي الأمريكي. فالأمريكي وبشكل عام، يشعر بأنه تفصله عن الأقلية اليهودية حواجز كثيرة، وكل ما اطلع على هذه الحواجز زاد الشعور بأن اليهود ليسوا منهم وهو ليس منهم. واحدى عوامل الكره لليهود كما يقول المفكر أمين المميز في كتابه [أمريكا كما رأيتها] القضية الفلسطينية والأدوار الغريبة التي مرت عليها، وقد يبدو ذلك لأول وهلة سببًا مستبعدًا، ولكن كثيرًا من الحوادث التي رافقت القضية الفلسطينية عندما تبنتها حكومة الولاياتالمتحدة منذ أن وضعت في أيدي هيئة الأممالمتحدة تحمل على الاعتقاد بأن الشعب الأمريكي وهو المعروف بنبل مقاصده وسلامة نواياه ورقة عواطفه وخروجه على الظلم من أيا كان مصدره، قد أخذ يشعر بالإرهاق الشديد الذي فرضته اليهودية العالمية على حلمه وتسامحه. فقد سلك يهود أمريكا، كل طريق مشروع وغير مشروع لتحقيق مطامعهم في فلسطين، وأن أغلبية الشعب الأمريكي بين غير مبال باليهود ولا بفلسطين، وبين من ساقته الدعاية اليهودية طوعًا أو كرهًا، لمحاباة اليهود وتأييد دعوتهم الباطلة. ولكن لم ينته الأمر عند قيام دولة إسرائيل في فلسطين، فلقد أخذ الشعب الأمريكي يعلم على مدى الأيام أن مبادئ الفضيلة التي يؤمن بها قد ديست بأقدام اليهود، وأن المثل العليا الأمريكية قد ضحى بها رجال السياسة الذين خضعوا لتأثير اليهود خضوعًا شنيعًا يأباه العدل والإنصاف، وأن الضمير الأمريكي لابد مدرك أن عاجلًا أو آجلًا أن عليه أن يكفر عن سيئة لم تقترف البشرية مثلها طوال تاريخها. الواقع أن أكثرية الشعب الأمريكي لم يبلغها بعد ما جرى على فلسطين وأهل فلسطين، فكل ما تسربت أخبار هذه الكارثة الإنسانية إلى الوسط الأمريكي - إذا ما وجدت سبيلًا إلى التسرب - فاق الرشد الأمريكي من غيه، وانقلبت الآية في غير صالح اليهود، فلا بد من أن مؤامرة اليهود العالمية التي دبرت على فلسطين فضح أمرها للشعب الأمريكي، وسيرى العالم المنصف، أي منقلب ستنقلب تلك المؤامرة على مدبريها. لم يصبح الفرد الأمريكي على علم مباشر بالقضية الفلسطينية إلا بعد أن وضعتها بريطانيا في أحضان هيئة الأمم، وقد سلك يهود أمريكا سبيلًا من شأنه أن يستفز الضمائر الحية وينافي أبسط مبادئ الفضيلة والأمانة وأولويات مبادئ حقوق الإنسان، فحاولت الدعاية اليهودية أن تصور العربي كأنه الوحش الكاسر المغتصب فصاروا يستحثون ضمائر الأمريكان وعواطفهم لاستمالتهم إلى جانبهم، وهذا الحث قد بلغ حد الاستفزاز لنفوس الأمريكيين المنصفين. يقف اليهودي في شوارع نيويورك منددًا بالعربي مستجديًا معونة اليهود لمحاربة العربي في بلاده فيتساءل الأمريكي المنصف في قرارة نفسه، وهو يرى غلاة شباب اليهود يجمعون التبرعات حاملين شارات كبيرة كتب عليها [تبرع لقتل عربي] يطوفون بها شوارع برودوي ولسان حال الأمريكي يقول لماذا تسهم بلادي وخيراتها في سبيل غدر قوم آمنين، وقتل أطفالهم.... ولماذا يدعو اليهودي وقد آويته في بلادي وفي عقر داري إلى ظلم قوم غرباء عني لا عداء بيني وبينهم ولا ثأر؟. وبالذات بعد أن صار إتهام الفلسطينيين بدعم الإرهاب رخيصًا واستنفد إمكاناته وصار التركيز على وصم الفلسطينيين بالإرهاب وأنهم خطر على العالم وهذا يمثل أكبر صور الظلم للفلسطينيين. أعرب الشعب الأمريكي وهو شعب جبل على الرأفة بالبشر خاصة نحو من يكونون ضحية عدوان عنصري، كما حصل لليهود مع هتلر عن عطفه على اليهود، فآوى الوفا منهم على قدر ما سمحت به قوانين الهجرة، ولكن عطفه هذا لم يجره إلى الاندفاع لتعديل هذه القوانين، بحيث تفتح أبواب أمريكا على مصراعيها بوجه اليهود. وتكفيرًا عن قصوره هذا، وقفت الأكثرية الساحقة من الشعب الأمريكي موقف غير المكترث بما يقوم به اليهود في سبيل حمل الحكومة الأمريكية على قبول فكرة تأسيس دولة يهودية في فلسطين، وتأييد اليهود للمضي في تحقيق هذا المطمع، حتى صار الحزبان الحاكمان يتباريان في منح أكثر ما يمكن من الوعود لإرضاء اليهود. وصار الرؤساء الأمريكيين من بايدن وقبله كارتر وريجان وبوش الابن الذي وقف أمام الكنيست في عام 2008 قائلًا: إننا اجتمعنا لإحياء مناسبة بالغة الأهمية. كان ديفيد بن جوريون أعلن قبل ستين عامًا في تل أبيب إستقلال دولة إسرائيل القائم على أساس [الحق الطبيعي للشعب اليهودي لتقرير مصيره]. وما تلا هذه الخطوة كان أكثر من مجرد إقامة دولة جديدة إنه كان استيفاء وعد قديم منح لإبراهام وموشيه ودافيد وطن قومي للشعب المختار على أرض إسرائيل.