من المعلوم أن جهود حكام المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الباني الملك عبدالعزيز وأبنائه من بعده لم تنقطع في طرح المبادرات لحل القضية الفلسطينية أو في استخدام القنوات الدبلوماسية في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فبعد أن تمكن الملك عبدالعزيز في توحيد البلاد وتوطيد الحكم وبسط الأمن والاستقرار في ربوع الجزيرة العربية، اتجه رحمه الله إلى العناية والاهتمام بتوثيق أواصر الأخوة والصداقة مع إخوانه العرب والمسلمين، فشاركهم آلامهم، والعمل على تخفيف معاناتهم والدفاع عن مصالحهم، انطلاقاً من إيمانه بأن المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذ اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، ومن أجل هذا رفض رفضاً قاطعاً محاولات بريطانيا أثناء محادثاتها معه حول اتفاقية جدة 1927 أن تتضمن الاتفاقية بنداً يعترف فيه الملك عبدالعزيز لبريطانيا بمركز خاص في فلسطين بمعنى آخر أن يعترف بالانتداب البريطاني في فلسطين، ويعترف بوعد بلفور لأن في هذا مساومة على حقوق أمته ومقدراتها العربية والوطنية، وقد ظهر ذلك واضحاً وجلياً عندما استنكر عام 1929 اعتداء اليهود على فلسطين وطالب حكومة الانتداب (بريطانيا) بمنع اعتداءات اليهود ومعاقبة مرتكبي تلك الأحداث، وعندما تكررت ثورات الفلسطينيين احتجاجاً على سياسة بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور بإنشاء وطن لليهود في فلسطين واتباعهم سياسة تعسفية تجاه السكان الأصليين، أرسل الملك عبدالعزيز ابنه الأمير سعود ولي العهد لزيارة فلسطين 1354ه-1935م لكي يقدم مواساته لإخوانه الفلسطينيين وتفقد أوضاعهم، وفي كلمة ألقاها سموه في حشد فلسطيني في نابلس قال: (إن الشعب الفلسطيني هم أبناؤنا وعشيرتنا وعلينا واجب نحو قضيتهم سنؤديه). وما أن سمع الملك عبدالعزيز عن الإجراءات التعسفية في عام 1355ه التي اتخذتها بريطانيا تجاه الإضراب العام حتى أبرق إلى وزيره في لندن ليلتقي بالحكومة البريطانية لينقل إليها شعور الملك وتأثره بما يحدث على الساحة الفلسطينية، ويطالبها بأن تعمل على إحلال الحق والعدل للفلسطينيين وأن يتم الإفراج عن المعتقلين وأن توقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين. كما عارض بقوة لجنة اللورد بيل وما تمخض عنها من قرار لتقسيم فلسطين ففي اجتماعه مع كل من اللورد بلهافين وستون والسير ريدر بولارد الوزير المفوض البريطاني في جدة عام 1356ه-1938م قال جلالته: (إن مشروع تقسيم فلسطين يحسب بحق نكبة عظيمة على العرب والمسلمين، ولذلك يجب أن يصرف النظر عنه بتاتاً وأن يسار على خطة أخرى على أساس حفظ حقوق اليهود الموجودين أصلاً بفلسطين وضمان مصالح بريطانيا والاعتراف بحقوق العرب). كما عارض تدفق الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومما قاله في إحدى رسائله إلى الحكومة البريطانية: (إن مسألة الهجرة اليهودية هي في الدرجة الأولى لدى أهل فلسطين بل لدى سائر العالم العربي والعالم الإسلامي... فإن مكاثرة شعب آمن في وطنه وبلاده بشعب غريب أجنبي له مطامع قومية في وطنه، مما لايستطيع شعب في العالم ولا حكومة من حكومات الأرض قبوله راضية به، ولم يسبق له مثيل في تاريخ الشعوب والأمم) ولذا نادى رحمه الله بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين أو تحديدها بنسبة ثابتة. وظلت هذه السياسة ثابتة طوال عهد عبدالعزيز ومحور اهتمامه ليس فقط في مراسلاته مع بريطانيا وإنما مع الأمريكيين أيضاً خاصة بعد تطور العلاقات بين المملكة وأمريكا على أثر اتفاقية التنقيب عن النفط، فقد أرسل الملك عبدالعزيز رسالة إلى الرئيس الأمريكي روزفلت في عام 1938م يوضح فيها وجهة نظر العرب: (لقد ظهر لنا من البيان الذي نشر عن موقف أمريكا أن قضية فلسطين قد نظر إليها من وجهة نظر واحدة، هي وجهة نظر اليهود والصهيونية، وأهملت وجهة نظر العرب، وقد رأينا من آثار الدعايات اليهودية الواسعة النطاق أن الشعب الأمريكي الديمقراطي قد ضلل تضليلاً عظيماً أدى إلى اعتبار مناصرة اليهود على سحق العرب في فلسطين عملاً إنسانياً، إن دعوى اليهود التاريخية لايوجد ما يبررها في حين أن فلسطين كانت ولاتزال مشغولة بالعرب في جميع أدوار التاريخ المتقدمة، وكان السلطان فيها لهم). وكان رده يعبر عن تأييد أمريكا لليهود ومساعدتهم في بناء وطن قومي لهم في فلسطين ولم يجد الملك عبدالعزيز بداً من أن يعيد الكرة بعد الكرة وذلك بالكتابة عام 1943م إلى الرئيس روزفلت شارحاً له حقوق العرب في فلسطين وحقوق أهلها الفلسطينيين ويحذر من زيادة نسبة اليهود في فلسطين ولذا فإنه يطالب بوقف الهجرة إليها لأنها لب المشكلة. ولم يتوانَ في مراسلاته إلى الرئيس الأمريكي مناشداً إياه ومناشداً الولاياتالمتحدة بأن تحل القضية بالعدل والإنصاف فطلب أن يسمح الملك عبدالعزيز بمقابلة وايزمان لحل القضية فكان رد الملك عبدالعزيز رفضه الاجتماع به لأنه كان قد عرض مبلغ عشرين مليون جنيه استرليني على الملك عبدالعزيز مقابل أن يتخلى العرب لليهود عن الجزء الغربي من نهر الأردن، فكان رد الملك عبدالعزيز أن المال لايساوي شيئاً أمام الدين والوطن والشرف. وبعد انتهاء الحرب بانتصار الحلفاء على دول المحور انتهز الملك عبدالعزيز هذه المناسبة لتهنئة الحلفاء جاء فيها: (إن حق الحياة لكل شعب في موطنه الذي يعيش فيه حق طبيعي ضمنته الحقوق الطبيعية، وأقرته مبادئ الإنسانية التي أعلنها الحلفاء في ميثاق الاطلنطي، وأقرته في مناسبات متعددة، والحق الطبيعي للعرب في فلسطين لايحتاج إلى بيان). وكان رد الرئيس الأمريكي أن السلطة التنفيذية في الولاياتالمتحدة الأمركية التي يرأسها بنفسه لن تتخذ قراراً فيما يختص بالوضع الرئيسي في فلسطين دون استشارة تامة لكل من العرب واليهود على حد سواء. وتأكد التزام الولاياتالمتحدة بهذا خلال اجتماع الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء بريطانيا مع الملك عبدالعزيز في مصر اللذين وعداه بالحل العادل والمرضي للقضية الفلسطينية لكن لسوء الحظ أصيبت محاولات الملك عبدالعزيز بنكسة بسبب وفاة روزفلت وتولي ترومان رئيساً للولايات المتحدة، الذي يعتبر من أشد المؤيدين والداعمين لليهود، يؤيد ذلك قرار اللجنة الأنجلو-أمريكية التي شكلتها الولاياتالمتحدةوبريطانيا لمعالجة الوضع في فلسطين التي كانت توصياتها السماح بهجرة مائة ألف يهودي إلى فلسطين وبعد دراسة تلك التوصيات أرسل الملك عبدالعزيز كتاباً للرئيس ترومان ومما جاء فيه: (ألا تعالج الولاياتالمتحدة الأمر بارتكاب ظلم أفدح منه، وأن تسعى لإغاثة شعب بائس على حساب بؤس شعب آخر، وأن تطالب بحرية شعب مشتت فيما يؤدي إلى استبعاد شعب آخر واضطهاده. غير أن الرئيس المريكي ترومان بدلاً من ذلك نجده يكتب للملك عبدالعزيز بالسماح لمائة ألف يهودي بدخول فلسطين مبرراً بأن هذا الأمر لايعد تعدياً على حقوق العرب وامتيازاتهم الآن في فلسطين ولايؤدي إلى تبديل في الوضع الحالي، وهنا لم يجد الملك عبدالعزيز إلا أن يُذكر بالمبادئ الانسانية والمبادئ الديمقراطية التي تسير عليها الولاياتالمتحدة التي تتنافى مع إكراه شعب آمن في وطنه بإدخال عناصر أجنبية عنه لتنقلب عليه وتخرجه من بلاده. ومن ناحية أخرى فلم يقطع الملك عبدالعزيز اتصاله ببريطانيا باعتبارها دولة الانتداب على فلسطين ولها نفوذ واسع، وأن معاداتها ليست في صالح القضية، ومن ثم ظل يطرح الحلول المناسبة لحل القضية الفلسطينية على أساس العدل بين العرب واليهود، وقيام الدولة الفلسطينية الدستورية المستقلة التي يشترك فيها العرب واليهود، كل منهما بنسبته السكانية، وأن يكون ذلك وفق ضمانات دوليةملائمة إلا أن بريطانياوأمريكا كانتا تخططا لقيام دولة إسرائيل في وقت كانت بريطانيا تعمل على خداع العرب بتنظيم مؤتمري لندن، ولما لم تستطع تمرير مخططاتها على العرب قررت أن تنقل المشكلة الى الساحة الدولية، برفع أمر القضية الى هيئة الأممالمتحدة خاصة بعد أن ساهمت بتسليح اليهود وتدريبهم على استعمال أنواع الأسلحة، في الوقت نفسه كانت تعترض على المساعدات التي تصل إلى الفلسطينيين من إخوانهم العرب، وعلى تسليحهم وتدريبهم من قبل الدول العربية، لأن مثل هذا العمل يحل بالوضع الراهن. ومن أن حان انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين حتى أعلن اليهود في 15 مايو 1948م قيام دولة إسرائيل ونشبت الحرب بين العرب وبين اليهود الذين كانوا يتفوقون على العرب من حيث التنظيم والتدريب والسلاح والعتاد الحديث، الذي اشتروه من تشيكوسلوفاكيا بدولارات مدفوعة من يهود الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها وبكميات كبيرة وتحت مرأى ومسمع من بريطانيا مما مكنهم من كسب تفوق عسكري ميداني، كما أن الطريقة المرسومة التي غادر فيها البريطانيون فلسطين أدت دوراً كبيراً في تمكين اليهود من احتلال المدن والقرى العربية في فلسطين ولم يكن هناك مفر من أن يتدخل العرب لمساعدة الفلسطينيين فأصدر جلالة الملك عبدالعزيز أوامره بتسهيل أمر المتطوعين لدعم إخوانهم في فلسطين وبتمويل مالي للعمليات العسكرية وبمعونات ومساعدات مالية تسهم في صمود الشعب العربي الفلسطيني وأبدى جميع فئات الشعب السعودي استعداده التام للبذل بالأموال والأرواح لنصرة الحق العربي في فلسطين فتألفت لجان للتبرع بالأموال ترأسها الأمير سعود ولي العهد، أما إرسال قوات عربية نظامية إلى فلسطين فقد عارضها الملك عبدالعزيز إذ كان يرى أن يزود العرب الفلسطينيين بكل ما يلزمهم في معركتهم ضد اليهود دون أن تتدخل الجيوش العربية وأن يكون أسلوب الكفاح على شكل حرب عصابات. إلا أن الإجماع العربي كان له رأي آخر وهكذا أذعن الملك عبدالعزيز لرأي الأغلبية وجهز قوة نظامية انضمت للقوات المصرية التي دخلت الأراضي الفلسطينية حيث اشتبكت مع القوات الإسرائيلية عندئذ أصبحت الولاياتالمتحدةالأمريكية بإعلانها بأن الحال العام في فسطين يهدد السلم ويعرض المنطقة للخطر، ولابد من التدخل الفوري لوقف القتال فطلب انعقاد مجلس الأمن لإصدار قرار بذلك وهكذا أصدر مجلس الأمن قراراً بوقف القتال وعين الكونت برنادوت وسيطاً دولياً للإشراف على تنفيذه وإيجاد حل للقضية الفلسطينية واستطاع التوصل مع العرب إلى هدنة مدتها أربعة أسابيع فاستغل اليهود هذه الهدنة لشراء الدبابات والطائرات والمدافع والأسلحة الأتوماتيكية. وما توصل إليه الوسيط الدولي رُفض عربياً ويهودياً. وفي مواجهة تماسك اليهود وقيام دولتهم وتحقيقهم انتصارات ميدانية ودولية، طرح العرب حلاً يقضي بإعادة قيام حكومة عموم فلسطين في 23 سبتمبر 1948م رداً لقيام دولة إسرائيل، وقد اعترفت المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية بحكومة عموم فلسطين ولكن للأسف كانت حبراً على ورق لم تفعل ولم يكن لها دور يذكر. ومع هذا ظلت المملكة وفية لمرتكزاتها طوال عهد جلالته مستثمراً أحاديثه وخطبه دوماً في الحديث عن فلسطين وضرورة دعم قضيتها في المحافل الدولية وفي تقرير مصير شعبها واسترداد حقوقه المشروعة، وكان هذا نهجاً ثابتاً سار عليه أبناؤه البررة من بعده الذين دعموا صمود الشعب الفلسطني والوقوف في وجه المخططات الصهيونية الرامية إلى توسيع الاستيطان وتهديد القدس الشريف ومواصلة احتلال واغتصاب الأراضي العربية، وظلت قضية فلسطينوالقدس حاضرة في أذهان القادة السعوديين ابتداءً من الملك سعود، فالملك فيصل، فالملك خالد، فخادم الحرمين الشريفين، ففي عهد الملك سعود - رحمه الله - يقول إن قضية العرب في حقوقهم الشرعية بفلسطين عادلة، وهي بلادهم ورثها الأحفاد عن الأجداد، وإن الملايين من العرب والمسلمين على استعداد لتسفك دماؤهم في سبيل حماية المسجد الأقصى وأرضه المباركة من الصهيونيين لأنها أولى القبلتين وثالث الحرمين. وفي عهد الملك فيصل وعندما أحرق اليهود المسجد الأقصى عام 1969م بادر رحمه الله إلى عقد قمة إسلامية عاجلة لمعالجة الوضع المتدهور في القدس، الذي نتج عنه تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي لتكون القدس في حالة تحريرها مقراً لها، وفي عام 1976م أثمرت جهود المملكة لحماية القدس والدفاع عن هويتها العربية والإسلامية بإنشاء لجنة القدس وهدفها مقاومة سياسة التهديد والمحافظة على الطابع العربي والإسلامي ودعم كفاح الشعب الفلسطيني، ومن ثم فعندما أعلنت إسرائيل ضمها مدينة القدس واعتبارها عاصمةً أبديةً لها، سارعت المملكة في إدانة هذا القرار ورفعت الموضوع إلى مجلس الأمن الذي اتخذ قراراً يطالب فيه جميع الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس بسحبها فوراً. وكانت المملكة تركز كثيراً على الحق الفلسطيني في أن يكون له دولة مستقلة عاصمتها القدس في كل لقاءات قادتها السياسية مع زعماء العالم من ذلك ما أكد عليه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله في مؤتمر القمة الإسلامية في الدار البيضاء عام 1994م من أن جوهر النزاع العربي الإسرائيلي هي القدس لأنه لن يقوم سلام شامل ودائم في الشرق الأوسط دون التوصل إلى حل عادل لهذه القضية وقد كرر هذا أثناء زيارته للولايات المتحدةالأمريكية في عهد كل من الرئيسين كلنتون وبوش متسائلاً: هل ترضى أمريكا بسياسة الظلم التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين باحتلال أراضيهم وتجويع السكان وقتل الرجال ومنع النساء الحوامل من الوصول إلى المستشفيات والتوسع في بناء المستوطنات والاستيلاء على الأراضي الزراعية وقلع شجر الزيتون وغير ذلك. ومن أجل حل القضية الفلسطينية حلاً جذرياً تقدمت المملكة بمشروع سلام طرحه الملك فهد في 1401ه عندما كان ولياً للعهد، وهو مبني على قرارات الأمم المتحدرة التي لم تنفذ ويقضي المشروع بالنقاط التالية: 1- انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلت عام 1967م بما فيها القدس العربية. 2- إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967م. 3- ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة. 4- تأكيد حق الشعب الفلسطيني وتعويض من لا يرغب في العودة. 5- تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف الأممالمتحدة ولمدة لا تزيد على بضعة أشهر. 6- قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. 7- تأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام. 8- تقوم الأممالمتحدة وبعض الدول الأعضاء بتنفيذ تلك المبادئ وقد وافق مؤتمر القمة الذي عقد في فاس على هذا المشروع ويعد مشروع الملك فهد للسلام طرحاً عربياً متكاملاً لإحلال السلام في المنطقة قبل طرح مشروع السلام الدولي في مدريد عام 1991م. وقد تكرر هذا في المبادرة السعودية التي تبنتها القمة في لبنان ولكنها كانت تصطدم دوماً برفض إسرائيل وحلفائها من الدول الكبرى. على أن دور المملكة لم يقتصر فقط على تبادل الرسائل والأحاديث والمبادرات بل ساهمت مادياً وعسكرياً بكل إمكانياتها لمساندة الشعب الفلسطيني وما تتعرض له المملكة اليوم من هجمة شرسة من الصهيونية العالمية وممن يسيرون في ركابها، إنما يعود إلى مواقف المملكة المدافعة عن الحقوق الشرعية للشعب الفسطيني، وإقامة دولته على ترابه الوطني، ودعمه مادياً حتى يتمكن من تحقيق ذلك. ومما تقدم يتضح بأن قادة المملكة دأبوا على انتهاز كل فرصة مناسبة في كل لقاء أو اتصال بزعماء دول العالم، على إثارة القضية الفلسطينية أو القدس بل قدموا حلولاً لتسوية كل جوانب النزاع. لأنهم أدركوا قبل غيرهم بأن معركة العرب مع إسرائيل إنما هي معركة تشترك فيها قوى عالمية ضخمة، ولذا فإنه يجب حشد كل الإمكانيات المعنوية والمادية لمواجهتها، ولن يتأتى ذلك ما لم يتم تأليف جبهة العرب والمسلمين ومحبي السلام، لتقف في وجه الصهيونية ومخططاتها ومبادئها الهدامة. وما تتعرض له فلسطين اليوم من تمزيق وحصار وتخريب وقتل واضطهاد وقهر وانتهاك للمحرمات، يستدعي إعادة ترتيب البيت العربي بسرعة وإعادة اللحمة إلى الصف العربي والإسلامي، لتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة والاعتماد على الذات في مواجهة تلك التحديات يؤكد هذا خادم الحرمين الشريفين في إحدى مقابلاته للصحف: (إن على العرب أن يبحثوا عن حل لمشكلاتهم الرئيسية ولن يجدوا هذا الحل إلا إذا استطاعوا توحيد صفوفهم والوقوف في وجه المشكلة أمة واحدة متحدة الكلمة وإننا إذا استطعنا أن نقف من مشكلتنا موقف رجل واحد فسنحمل العالم على احترامنا). أضف إلى ذلك ما نشاهده اليوم في فلسطين وخاصة بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين من تداعيات الوضع الخطير في فلسطين المحتلة فإن الأمر يستوجب أن تكون قرارات قمة تونس في مستوى تطلعات الشعوب العربية والإسلامية والرأي العام العالمي والمحب للسلام. فنحن جميعاً في قارب واحد ومصيرنا واحد، وسلامتنا في تماسكنا ووحدتنا. ورحم الله الملك عبدالعزيز الذي كان رأيه أن يعلن الفلسطينيون قيام دولتهم في فلسطين، فور انسحاب بريطانيا رسمياً من فلسطين بعد الانتداب ولكن لم يصغِ العرب إلى ذلك، فكانت المأساة.