تذكر المراجع التاريخية أن الأمير عبدالله بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، الأخ الأصغر لجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود، كانت له أدوار متشعبة في تاريخنا المحلي، فقد كان من أكثر الشخصيات التصاقًا بجلالة الملك، وكان يستشيره ويُطلعه على الأسرار، ويصطحبه ويكلفه بمهام كثيرة، ومما لا يمكن عدم التوقف عنده، الناحية العلمية له، فهو «عالم آل سعود وفقيههم»، ومرجعًا في التاريخ والأنساب وأخبار القبائل، وكان مجلسه مَجْمَع العلماء والأدباء، وكانت لديه مكتبة ضخمة تحوي نوادر المخطوطات والمطبوعات، وتعد من أكبر المكتبات الفردية بالمملكة.. بدأت بهذه المقدمة عن «عالم آل سعود وفقيههم»، الذي فقدناه قبل 49 سنة، لأرثي وريث «العم» في العلم والفقه؛ ابن أخيه، الأمير الدكتور محمد بن سعد الثاني بن عبدالرحمن آل سعود، الذي رحل عن دنيانا صباح الاثنين الماضي، بعد أن ترك خلفه سيرة مباركة من خدمة للعلم الشرعي وطلابه، ومنها مؤلفاته ودراساته وتحقيقاته، وفي مقدمتها: «قوامة الرجل وخروج المرأة للعمل: العلاقة والتأثير»، و«المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس: دراسة شرعية اجتماعية»، وتحقيق «مجموع غرائب أحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم، لمنصور السمعاني»، وتحقيق «أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، لأبي سليمان الخطابي»، الذي نال به درجة الدكتوراه، قبل 39 سنة تقريبًا، وكان المشرف عليه فضيلة العالم الجليل، الشيخ الدكتور أحمد ابن الشيخ محمد نور سيف، العالم المالكي المكي الشهير، وأخرجه في 4 مجلدات، وغير ذلك من مآثر مباركة. في الجامعة، وفي داره بالطائف، أكرمني الله بالأخذ عن شيخنا، الأمير الدكتور محمد بن سعد، وما وجدت إلا الحرص البالغ على العلم الشرعي، والدفاع عن السنة الشريفة، مع تواضع قل نظيره، وعندي من هذا الخُلق شخصيًا ما كان يدهشني منه، عليه رحمات ربي، ومنها قيادته سيارته العادية بنفسه من الطائف لمكة، وإيقافه لها خارج الحرم الجامعي، وبعد فراغه كنت أتابعه، وهو يذهب وحده للمسجد الحرام، ليطوف ويصلي ما تيسر له، وبعدها يعبئ «جوالين الزمزم» التي أتى بها معه من الطائف، ليرجع بها إلى داره.. أختم بالدرس الأهم من هذا الفقد المؤلم لشيخنا الجليل، وأقصد هنا بعده التام عن الخلاف والاختلاف، ونفوره الشديد عن تقسيم الناس وتنميطهم، والكلام فيما لا فائدة ترجى منه، وهو ما يفسر تركه للدنيا قبل أعوام، رغم تمتعه بالصحة والعافية، والاستئناس بالعزلة وبما يقربه إلى خالقه، من علم نافع في مكتبته الخاصة المميزة، وعمل صالح، ومناجاة مستمرة، واستغفار دائم؛ فاللهم يا الله، عظم أجر سيدي خادم الحرمين، وولي عهده الأمين، وأبنائه وبناته، والأسرة المالكة الكريمة، وكافة طلاب العلم الشريف في شيخنا، واغفر له، وارفع درجاته، وافسح له في قبره، ونور له فيه، واخلفه في عقبه وطلابه.