نجحت صناعة البتروكيماويات في المملكة من تجاوز جائحة كورونا بأقل الخسائر، ورغم الضغوطات الكبيرة التي واجهتها في هوامش الربح، إلا أنها تتخذ خطوات جيدة نسبيًا نحو مواجهة التحدي المستقبلي لهذه الصناعة وهو تحوّل العالم نحو الاقتصادات منخفضة الكربون. قد يتساءل القارئ الكريم، لماذا يعتبر تحول العالم نحو الاقتصادات منخفضة الكربون تحديا للصناعة؟ بل، هل هو بالفعل يمثل قضية وجود للصناعات البتروكيماوية السعودية؟. نعم يمثل تحول العالم نحو الاقتصادات منخفضة الكربون تحديًا وجوديًا للصناعات البتروكيماوية بسبب الالتزام الحكومي الدولي نحو خارطة الحياد الكربوني.. طبعًا، تلتزم تلك الدول بخارطة الحياد الكربوني لغرض الوصول لصافي صفر انبعاثات كربونية لوقف ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض أكثر من 1.5 درجة مئوية بنهاية القرن. عالميًا، بنهاية العام الماضي مثّلت الصناعات البتروكيميائية نسبة 10% من صافي الانبعاثات الكربونية بمقدار 5 قيقا طن متري من غاز ثاني أكسيد الكربون المكافئ، وتواجه الصناعة العالمية حاليًا مشكلتين رئيسيتين، أولها حالة عدم اليقين في مجال الأسواق نتيجة الصراع الأوروبي الروسي، حيث أثر بشكل مباشر على كبرى اقتصادات العالم في مجموعة السبعة (G7)، والتي فرضت عقوبات على روسيا بشأن النفط والغاز، ثاني تلك المشكلات هو التضخم الاقتصادي العالمي، والذي أثر بشكل مباشر على سلاسل الإمداد والنقل والخدمات اللوجستية والقدرات الشرائية. وباعتبار عودة الاقتصاد الصيني من الإغلاقات بداية العام الجاري فإنها ستمثل انفراجة جيدة قصيرة المدى في أسواق البتروكيماويات، حيث تعتبر الصين أكبر منتج ومستهلك للمواد البتروكيماوية بنسبة 45% من إجمالي الإنتاج العالمي، أيضًا، من المهم جدًا استيعاب أن استمرار تراجع اقتصادات أوروبا سيعني انخفاضًا في الطلب على المواد الخام والتحول لاستيراد المنتجات النهائية، وهو ما يمثل فرصة موازية للدول التي تتمتع بهوامش ربحية مناسبة للتصدير. أما على المدى الطويل، فإن تحول العالم نحو الاقتصادات منخفضة الكربون؛ يعني أن كل الصناعات البتروكيماوية الوطنية القائمة اليوم هي بحاجة إلى مراجعة سلاسل القيمة ونموذج الأعمال الخاص بها، فالعالم سوف يحتاج إلى مواد جديدة بتقنيات جديدة لتطبيقات جديدة ومختلفة كليًا، وهو العمل الذي تناط به مراكز الأبحاث في تلك الشركات، ويجب عليها أن تأخذ قصب السبق في اقتراح مواد ملائمة للاستخدمات المتوقعة للعملاء الذين يواجهون حاليًا أزمة طاقة، وأعني على الأخص السوق الأوروبي والأمريكي. إن الصين والهند سوف تستمران لعقدين من الزمن باستهلاك المواد الكيميائية الأساسية، فهما في طور نمو مستمر حتى ستينيات القرن الحالي، وبعد ذلك سوف تكون المواد ذات التطبيقات المتخصصة هي القيمة التنافسية، وعليه ينبغي على الصناعات البتروكيماوية الوطنية الأخذ في اعتبارها خفض استهلاكها للطاقة التقليدية من خلال تحويل وحدات التحطيم والأفران إلى أخرى منخفضة الكثافة الكربونية، والتي تستخدم فيها الطاقة الكهربائية المتجددة، أيضًا إنتاج مواد جديدة قابلة للتدوير والحفاظ على كربوناتها من الإنبعاث. وبالإضافة إلى الاستثمار والإنفاق المطلوب لالتقاط الكربون وتدويره، سوف يكون التعويل كبيرًا على مراكز الأبحاث في تلك الشركات لصناعة الفرق في إنتاج مواد منافسة بتقنيات إنتاجية توفر الكثير من الطاقة وترفع الهامش الربحي وتقدم حلول مبتكرة مستدامة للأسواق، حيث تستهدف حلول الاستدامة تلك، ثلاثة مجالات رئيسية للتطبيقات هي: الوحدات الصناعية المنتجة للانبعاثات بشكل مباشر بما فيها المصانع والمحركات والسيارات، الأصول المرتبطة والتي تسهم في الانبعاثات بشكل غير مباشر مثل تلك التي تستهلك الكهرباء، وأخيرًا، تلك الأصول التي تتسبب في الانبعاثات نتيجة الشحن والمخلفات البيئية. إن شركاتنا البتروكيماوية الوطنية ليست بمعزل عن الجهود العالمية في مجال التحول نحو الاقتصادات منخفضة الكربون، لكنها لا تستفيد بشكل جدى من الفرص والمميزات المتاحة في المملكة العربية السعودية أو أن سيرها يتم بنسق أقل من التسارع العالمي المحموم، أيضًا وبالرغم من التنسيق الكبير مع وزارتي الطاقة والصناعة، إلا أن اعتماد شركاتنا البتروكيماوية الوطنية على مصادر طاقة متجددة لا يزال بعيدًا عن المدى المنظور، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. وفي ذات الوقت، نشاهد حاليًا شركة باسف (BASF) الألمانية توقع عقدًا لشراء أكثر من 600 ألف ميغاواط للساعة من طاقة الرياح والطاقة المتجددة، كما أن 25% من طاقة باسف (BASF) في أمريكا الشمالية سوف تكون من مصادر متجددة بحلول العام 2030، بالإضافة لتمويلها مشروعًا لمزارع طاقة الرياح في هولندا وشراء أكثر من 20 تيراواط للساعة لمدة 25 سنة، أيضًا تقوم شركات (Covestro) و(DSM) بجهود ممثالة، وهي شركات كيميائية منافسة لشركاتنا الوطنية. كل هذا يدفعني للتساؤل أين شركاتنا البتروكيماوية الوطنية من تلك الخطوات التي ستخلق ميزة تنافسية للصناعة السعودية ككل؟ أم أننا مشغولون بمشروعاتنا النبيلة لتحويل النفط الخام إلى بتروكيماويات، الذي رغم أهميته الكبرى، لكنه لن يضعنا في المقدمة على المدى الطويل في جانب اقتصادات الصناعة منخفضة الكربون.