يعد مرض التوحد واحدا من الأمراض التي تحتاج من المريض إلى التعايش والتأقلم مع المرض، خاصة أن الأطباء لم يكتشفوا بعد علاجا لهذا المرض، إلا أن كثيرا من الأسر وخاصة الأمهات ممن يرزقن بأبناء مرضى بالتوحد لم يستسلموا أو يتوقفوا عن السعي لإيجاد حل أو دواء لعلاج فلذات أكبادهم من التوحد. وفي هذه الصدد هناك تجارب عديدة لنساء ضربن المثل في الصبر والتفاؤل والأمل من أجل علاج أبنائهن، فهناك أمهات سافرن خارج المملكة إلى دول أوروبا وأميركا بحثاً عن عيادات متخصصة في التوحد وأخريات لم تسمح لهن ظروفهن المادية بالسفر، فآثرن الاستفادة من تجارب الآخرين والسعي دون ملل للسؤال ومعرفتها والاستفادة منها. ومن بين هؤلاء النسوة السيدة بدرية السويلم التي رزقها الله بابن مريض بالتوحد يبلغ من العمر 8 سنوات، والتي ذكرت في حديثها ل"الوطن" أنها لم تترك بابا إلا وطرقته من أجل علاج ابنها الذي صرفت عليه مئات الآلاف من الريالات في مراكز التوحد منذ ولادته وحتى اليوم، إلا أن النتائج كانت محدودة ولم ترق على حد قولها للجهد الكبير الذي بذلته في سبيل علاج ابنها. كما كانت الكتب والأبحاث على مواقع الإنترنت إحدى الوجهات التي لجأت إليها، بجانب التواصل مع العيادات المتخصصة في تبني المصابين بالتوحد ورعايتهم والمنتشرة في الدول العربية عبر الاتصال بهم هاتفياً أو إرسال رسائل على البريد الإلكتروني، تصف من خلالها حالة ابنها، على أمل أن يأتيها الرد حاملاً علاجاً جديدا أو أملا جديدا. كما تركت السويلم عملها كمعلمة في إحدى المدارس الحكومية من أجل التفرغ لابنها الذي يحتاج لمزيد من الرعاية والاهتمام ولا يعرف أحد التعامل معه سوى والدته التي أنجبته فهي من تستطيع تحمل كل تبعات وصفات مرض التوحد وكيفية التعامل معها. ولم تختلف أم بلال كثيراً عن سابقتها فقد أولت اهتماما كبيرا لابنها المريض بالتوحد ذي الأربع سنوات، وتمكنت خلال تلك الفترة من السيطرة على الحركات النمطية التي يعرف بها مرضى التوحد، واستطاع ابنها حفظ سور قصيرة من القرآن الكريم حيث يتميز بسرعة الحفظ والذكاء، الأمر الذي ساهم كثيراً في تعديل سلوكه والحد من فرط الحركة. وقد واصلت أم بلال الليل بالنهار من أجل ابنها وعزلت نفسها عن المجتمع الخارجي ورفضت إنجاب غيره من أجل التفرغ له، مشيرة إلى أن مرضى التوحد يتصفون بالعبقرية إذا ما أحسن الوالدان التعايش معهم والتعامل مع مرضهم، وضربت المثل بعباقرة في العالم مصابين بالتوحد وتمكنوا من التميز والنجاح في حياتهم واستطاع كل منهم التفوق في مجاله وبهر العالم بقدراته رغم إصابته بالتوحد. فيما وصفت استشارية أمراض الأطفال والباحثة في التوحد الدكتورة هيفاء الكناني أمهات مرضى التوحد بالرائعات والمخلصات الوفيات اللاتي يضرب بهن المثل نظير ما قدمن لأبنائهن مرضى التوحد واعتبرت الكناني هذا المرض من الأمراض التي تحتاج من أفراد الأسرة جميعا التعاون والتكاتف من أجل التعايش مع مريض التوحد ومحاولة السيطرة على النتائج السلبية لهذا المرض وتعويد الطفل على الاعتماد على ذاته في بعض الأمور، وذلك بشكل تدريجي مما يسهم بشكل كبير ومؤثر في تحسن سلوك مريض التوحد. وشددت الكناني على ضرورة الاهتمام بالمريض منذ الصغر، حيث أثبتت التجارب أن علاج التوحد في مراحله الأولية قد يكون مجدياً في بعض الحالات ويعالج اضطراب السلوك كي لا يتطور معه بمرور السنين وحينها يصعب التعايش مع المرض.